ملامح الحزن العتيق الجزء الخامس


تمددت على سريرها وهي في ذهول وصدمه من كلامه
يبي يسكتها ويراضيها بكلامه هذا ويقول ان البيت لها ..
يحسب الدنيا ماده في مادة .
مايدري اني ماابغى منه فلوس ولا مادة ولا شي حسي ..
كل اللي ابيه هو ..
حطيت يدينها على وجهها وهي مخنوقه
بس مارضت الدموع تنزل
كلامها جمد الدموع ووقف البكا
ووصلها لما بعد البكا ..
تغطت بلحافها تدور الدفى
الدفى اللي يغمر روحها البارده قبل جسدها ..
بس وين الدفى وعماد الجليد ساكن بقلبها واعماقها
سمعت صوت الإمام وهو يقرأ بخشوع وتسلل الصوت والكلام لروحها
وتذكرت ان الباري في مثل هالوقت يدور من يتوجه له ويتضرع ويلبيه ..
فزت من سريرها وتوضأت وفرشت سجادتها اللي صارت تعرف ادق تفاصيل حياتها من كثر ماشكتها عليها ..
كملت صلاتها بخشوع وتونِّ وتضرعت لربها باللي في قلبها علّ وعسى ان الباب هذا محد يطرقه ويخيب ..
فزت من على سجادتها وهي تسمع خطواته تقطع الصمت الموحش في البيت ..
ودخلت في لحافها وغمضت عيونها ..
ماتبي تشوفه وتشتعل النار اللي هجدت على السجاده
وماتبي تسمعه وترجع لها صورة نوف اللي ربطتها بالدور اللي فوق وبحياته ..
وماتبيه يبرر ولا يعتذر لأن الشرخ عميق ...
ورتقه صعب ..


وماتبيه يفتح موضوع البيت وملكيتها له سواء يثبت ولا ينفي لأن هالكلام اكبر منها بكثير وأصعب من كل المواقف في حياتها ..
فتح الباب بهدوء من دون مايدقه وكأنه يثبت لها وله ان هالمكان واللي فيه حلاله
يدخل متى مارغب ويطلع بكيفه ..
شافها متمدده على سريرها ومتمسكه في لحافها وجفونها مغمضتها على عيونها واللي فيها .
تداري عنه ..!
ولا تخشى مواجهته ..! و
لا كارهه وجوده عندها .
خانته قدرته في المقاومه واقترب منها اكثر ..
وهي كذا تغريه وتجذبه ..
وشلون وهو قريبه منه ولا في حضنه ..
لو تدرين ياشادن باللي في الصدر ..
كان فرحتي وانا ابعدك واجفاك .
سحب جاكيته اللي على طرف سريرها واللي اختلط عوده مع ريحة عطرها وشكل ريحة مزجت القوة بالرقة ..
ضمه على صدره وانسحب من غرفتها لغرفته ..
لبس واخذ اغراضه اللي تهمه ونزل لجدته ..
بالقوة اقنعها ان عنده شغل في جده ..
ماقدامه حل الا الهروب ..
خاصة الليلة وفي هالوضع ..
سلم عليها وهي تردد الدعوات بحفظه وتوفيقه وتيسير اموره
ومشى وذكر الله يلهج بلسانه من دعاء سفر لاتكال وتفويضه امره ومعوذات وآيات قرآنية تعينه وتحصنه من الشرور والمساويء ..


***


دخل بيت اهله قبيل السحور ..
ملابسه وشكله تقزز كل من شافه ..
شافته منال وصرخت بصوت افزع حنان الواقفه في المطبخ وبندر وخالد الجالسين على التلفزيون ..
قال فهد : هييي بنت اسكتي روعتي الناس .
جاته تمشي بسرعه وسلمت عليه وهي تتفقده قالت : ياويلي يافهد الدم هذا وشو ..؟ صاير عليك حادث .
رفع يدينه قال : مافيني شي شوفي .. لقيت قدامي حادث وساعدت فيه وهذا دم المصابين .
وصله بندر وسلم عليه وهو معقد حواجبه قال : استغفر الله هذا دم آدمي ولا دم ناقة منحورة عليك .
سلم على خالد وحنان قال : لاوالله حادث كرهني بعمري .
تكلمت منال وهي مكشرة قالت : ياعمري يافهد هو انت ناقص .
رمقها بندر بنظره لوم والتفت لفهد قال : غسل غسل والله الظاهر انك مااكلت شي من امس .
رفع فهد حواجبه بتعب قال : خلها على الله بس .. على سحوري ومتبرع بدم للمصاب والدنيا قدامي سودا بغيت اصدم مرتين .
قالت منال بلهفه : خلاص ادخل تروش وبدل ملابسك وانا احضر السحور الحين .
طلع ابوه على صوته وهو يرحب ويهلي كأن له سنين ماشافه ..
بس فتر صوته وهو يشوف هذا شكله وحاله ..
قال : ذابح لك رجال ..؟
جاه فهد يمشي قال : ماذبحت احد الله يخليك لي .. اسعفت لي مصابين وهذا دمهم .
زفر ابوه بارتياح وسلم فهد على جبينه ولثم يده قال ابوه : بشرني عنك وانا ابوك ..؟
هز فهد راسه قال : الحمد لله على النعمه والعافيه بخير من ربي ياجعلك بخير . الا الوالده وينها ..؟ نايمه . ؟
: مهب الظاهر ادخل لها وانا ابوك طمن قليبها ترى دمعتها ماجفت عليك .
رد فهد : خلني ابدل ثيابي لاتشوفني وهذا شكلي ..
قطعت عليهم شهقة امه وصرختها وهي تقول : ياويلي على وليدي ..
رفع لها يدينه وكأنه يقول شوفيني مافيني شي وجا يمشي عندها وهو يقول : اصبري الله يخليتس لي مافيني شي ناس صاير عليهم حادث واسعفتهم .
هدا روع الأم بالرغم ان المنظر مؤسف بس سلامة ولدها فوق كل شي
قالت : لااله الا الله وكل هذا دم .. حيوا ولا ماتوا .
عطاها فهد ظهره وتوجه لغرفته وهو يقول : مات اللي مات وحيا اللي حيا ..
طالع في حنان المتقرفه من هيئته وريحة الدم قال : تكفين ياحنان ابي لي حليب بزنجبيل قبل السحور .. البرد ذبحني والحكه قطعت صدري .
تكلم خالد : عجلي بدال مانتي واقفه وعافسةٍ وجهتس .
دخل فهد غرفته وبدل ملابسه وغسل وصلى العصر والمغرب والعشا وطلع لهم كمل جلسته معهم وهو يوصف لهم الحادث من دون مايجيب سيرة جيران نايف حتى ماينزعجون البنات خاصة انهم عرفوهم وحبوهم ..



***



ثلاثه ايام عصيبه مرت عليهم
حالتها من سوء لأسوأ ..
كسور في الفخذ والساعد من الجهه اليسار ..
جروح عميقه في الرأس والرقبه سببت لها نزيف والقزاز اخرجوه بصعوبه ..
وكل هذا يهون لأن الجرح مصيره يندمل
والكسر يجبر
وقف مشاري بجنبها وهي مطبقة جفونها لأنها ببساطه رافضه العودة ..
الصدمة سببت لها انهيار عصبي حاد ..
ان الواحد يصحى من نومه على فزع هذا بحد ذاته صدمه
لكن ترميه السيارة على بعد 15 متر وهي في طور الصدمه ثم تزحف رعب وخوف وألم ونزف وتوصل زميلاتها وهم اجساد بلا ارواح وتكلمهم اكثر من ساعه ونص هذا شي فوق الاحتمال
وخاصة ان سارة من النوع الرقيق اللي مااعتادت على الصلابه .
مسح مشاري على راسها وامه تتمتم بأدعية وابتهالات وتنفث عليها وتمسح جسدها ..
دخلت ريهام بنت خالتها وخطيبة مشاري قالت بهمس : ها كيفها الحين .
هز مشاري كتوفه وهو يحاول يختصر بكلمات معدوده لأن الأطباء حذروهم من ازعاجها قال : على حالها ماصحت .
مسكت ريهام يد مشاري قالت بهمس في اذنه : تعال اطلع معاي واترك خالتي تجلس عندها ..
خرج مشاري بناء على طلبها ووقف برا قال : ليه ماكلمتيني اجي آخذك .
ردت ريهام وهي تضيق فتحة نقابها وتميل طرف طرحتها عليها قالت : ماحبيت اتعبك ابوي نزلني وراح .. مشاري حبيبي لازم تاكل وتعيش وتحمد ربي انها مالحقت زميلاتها .
تنهد مشاري قال : الحمد لله على كل حال .. انا مامخوفني غير هالانهيار ولا الباقي كله مسألة وقت ان شاء الله .. طمنوني الدكاترة .
ضمت على يده برقة قالت : حبيبي انا اعرف سارة ممكن تتعب فترة بس راح ترجع خليك واثق من كلامي .
هز راسه قال : يالله امشي برجعك للبيت واقنعي امي ترجع معاك مرة رافضه تتحرك حتى فطور للحين ماافطرت .
دخلت ريهام لخالتها اخت امها وام خطيبها وهمست في اذنها بترجي وسلمت على راسها وبإقناع قامت خالتها معاها ترجع لبيتها وتصلي العشاء والتروايح وتستغل الايام الفضيلة في الدعوات لبنتها اللي تركت قلبها عندها ..







***


مرت بقية العشر الأواخر والناس ملتهين مابين صلاة ومساجد واسواق وزيارات .. لولا وجود عمتها فوزية عندهم اليومين اللي راحت كان يمديها تفجرت من الطفش والغيض من عماد وغيابه ..
الليله اعلنوا انه العيد وان الشهر ناقص ..
وهو للحين مارجع ..
" يحسب الهروب حل ...
طيب واذا رجعت ياعماد وش الحل ..؟ "
قالته بقلبها وهي تدخل غرفته اللي رتبتها قبل يومين ونظفتها وكأنها تستجديه يرجع اذا حس ان غرفته نظيفه ..
طالعت في الغرفة وحاجياته وكأنه يحاصرها
رغم انها ترتاح اذا دخلتها الا انها تحس انه يخنقها اذا تذكرت تصرفاته معها ..
سكون البيت يخوف ..
مافيه أي شي يقطع الصوت الا صوت خطواتها وحركتها في الغرفه
وصوت الهوا اللي يتسلل مع الثقوب حول اطارات الشباك ..
حتى القرية بليلة العيد ماتغير فيها شي الا ان البيوت اضاءوا المصابيح العطلانه اللي تطل على الشوارع ..
ومظاهر ليلة العيد من العاب ناريه وخروج الناس من بيوتهم اللي اعتادتها في جده تفتقدها قرية الأجواد والكل لجأ لفراشه من بدري لأن العيد عندهم رغم جماله وحلاوته الا انه مشقه وعناء وتعب والأحسن انهم يستقبلونه وأجسادهم مرتاحه ..
في اثناء الصمت الواجم على انحاء البيت الكبير ..
والهدوء اللي يخوف اكثر من انه يُشعر بالراحه ..
سمعت صوت خطوات مع الدرج ..
مافيه غيره خطواته قوية وسريعه ..
وأكيد انه رجع عشان الليلة عيد ..
وين تطلع وهو خلاص قريب من الغرفه ..؟
وش تقول ..؟
الأفضل انه يضبطها متلبسه وبعذر ولا يضبطها هاربه وبلا عذر ..
فتحت الادراج بسرعه وسوَّت نفسها تدور على شي ..
ماتردد انه يدخل غرفته المضاءة انوارها ومفتوح بابها على غير العادة اذا ماكان فيه ..
شافها واقفه بارتباك وتدور في الادراج ..
رغم انه مايحب احد يدخل غرفته ويعترض اذا احد حاول انه يفتش او يبحث في خصوصياته اياً كانت .. الا انه سكت ومااعترض على فعلها ..
وقف على الباب وهو يطالعها ..
لاسلام ولا كلام ولارفع نظره عنها .
قميصها الزهري القصير والناعم جداً مطلعها ابهى صورة ..
شعرها الأسود اللي يتمنى يدخل يدينه فيه ويلمسه بحرية وراحه يأسره ..
ذبول عيونها الواضح يبهره رغم انه ذبول والذبول عمره مااغرى الا انه على عيونها اغراه وفتنه ..
كان يناظرها بحزن ..
بين فرحة اللقا وهمّ القرب .
اربكتها نظرته وخافت انه يعاتب ..
اصعب شي تواجهه مع عماد نظراته الغريبه ..
يبي يقول شي ويعجز ..
طلعت يدها من الدرج بفتور وفيها مقص اظافر الشي الوحيد اللي قدرت تحصل عليه ويمكن يكون هو عذرها قدامه ..
حاولت تبلع ريقها بس خذلها حلقها الجاف قالت بارتباك وهي ترسم ابتسامه باهته مالها أي تعبير على وجهها : الحمد لله على سلامتك ا ا ا ... رفعت مقص الأظافر وكملت بخجل : كنت ابغى هذا .
مشى ناحيتها بسرعه وعينه على مقص الاظافر وخطفه منها قال بلهجة حاده ماتوقعتها : هذا استخدمتيه .
: لا كنت باخذه ماعندي ...
تنهد بارتياح قال بصوت موجوع وهو يقاطعها : لاعاد تقربين من اغراضي الشخصية .
اسلوبه هذا يجننها
ينهكها ويوجع قلبها ..
ليه يأمر بتوسل
ليه يتقوى وبضعف .
ليه ينكسر قبل لايكسرها ..
طلعت لغرفتها بخيبتها وتركته بين همه وندمه وخوفه عليها ..
وكل واحد يلوم نفسه على تصرفه ..
هي عذرها الشوق وهو عذره خايف عليها ..
حاولت تنام بدون ماتفكر في اذيته لمشاعرها
وهو حاول يتناسى ويعذر نفسه بأنه معاه حق ..
تقلبت طول ليلها واستجدت النوم باغلاق النور وهدوءها واخماد بركان الغضب الثاير بداخلها ببعض الآيات القرآنية والأدعيه اللي تحفظها ..
لكن النوم ابى وتمنع ورفض انه يطرق جفونها وظلت صاحيه لين سمعت الأذان ..
اما هو فرحمه تعبه وهاجمه النوم رحمة ورأفه ..
فزت من سريرها ..
وصلت ولبست تنورة لونها سماوي مشجر بأصفر واحمر .. وبلوزة لونها سماوي سادة وماسكه عليها .. بصدر واسع وأكمام طويله وضيقه ..
انتهت من مكياجها اللي اختارت الوانه هادية جداً وتناسب النهار ..
اغرتها الأصوات اللي سمعتها برا وفتحت الستارة حقت غرفتها وشافت النور يغازل سماء العيد ..
الناس بدت تطلع من بيوتها والكل بملابسه الجديده ..
الأطفال بثيابهم انتشروا في الطرقات من بدري بانتظار الصلاة .
وصل سمعها صوت عماد وهو يسكر باب غرفته وعرفت انه نزل رايح للصلاة ..
كانت تتأمل الرجال وكل واحد خارج بسجادته لمصلى العيد اللي في آخر القرية ..
الجو مفعم بروح المناسبه ..
تذكرت ان جده على النقيض ..
الناس صحيح تروح تصلي وبعدها يعم الهدوء على البيوت خاصة انها عاشت سنين طويلة بدون قرايب .. واهل سارة اللي تعتبرهم اهلها غالباً يقضون العيد في ينبع عند جماعتهم ..
شافت عماد وهو يطلع من البيت وجدتها معاه رايحه للمسجد .
تذكرت كلام فوزية ان امها لايمكن تتخلى عن صلاة العيد في المسجد ..
لابس ثوبه الأبيض وشماغه الأحمر ويمشي بهيبه مميزته عن الجميع ..
توارت سيارته عن انظارها وقفلت ستارتها ونزلت تحت ..
جهزت القهوة والحلا في قسم الرجال وسوت الجمر بانتظار الضيوف حتى تحط العود ..
سمعت اصوات عمانها وجدتها والمعايدات والتهنئة وطلعت سلمت عليهم وعماد بينهم ..
سلم على راسها وهو يعايدها وردت بصعوبه وخجل واحراج بـ : وانت بخير ومن الفايزين .
قال فواز وهو يقصر صوته بلوم لعماد اللي يبتسم على شكلها : ياخي ماتستحي انت ..؟ احرجت البنت .
ضحك عماد بصوت مسموع واقرع صوت ضحكته في قلبها قبل اذنها .. ولف يده على اكتافها وهو يقول : هههههههههههه عايدتك انت ماتبيني اعايد حرمتي .
حرمتي ..؟
حرمتي ياعماد ..؟
طالعت فيه باستغراب ورجاء وخوف واستنكار لأنه يستخف بوجودها في حياته ..
تجاهل نظرتها ورجع يكلم فواز : خلنا نروح للمجلس شكل الناس جات تعيد علينا .
طلع فواز قبله ولحقه ناصر اللي وصل امه للصاله وساعدها على الجلوس ..
رفعت يدينه من عليها وانسحبت وهو يتبعها بنظراته ..


***

العيد عمره ماطرق كل البيوت بفرح ..
الا مايصير بيت يرثي ويبكي والخلق معيده ..
عيال اميرة الايتام وامها واخواتها وزوجها اللي تعودوا عليها كل عيد هالمرة مفتقدينها ..!
مالها حس ولاصوت ولا وجود ..
وساميه اللي عمرها ماقضت العيد بعيد عن اهلها ماتت ومات معها الفرح وبهجة العيد ..
زوجها صابته صدمه عصبيه ماقدر يجلس في الديرة وسافر للندن عند ولد عمه اللي يدرس هناك ..
وفاطمه والمأساة اللي خلفتها في كل بيت عرفها بسبب فقدها وفراقها ..
بدءاً ببيتها وبيت اهل زوجها وبيت اهلها وانتهاءً بدور الايتام والملاجيء ..
وفي مستشفى فقيه بجده ..
بعد مانقلها ابوها من الطايف ودخلها مستشفى خاص اكثر عنايه واهتمام على حد قوله ..!
كانت نايمه وساكته ..
الصدمه العصبية اللي تعرضت لها اسكتتها وافقدتها وجود اللي حولها ..
وامها وابوها واخوها حولها ويحاولون يحسسونها بأهميتها وان سلامتها ونجاتها من الحادث شيء مفرح ويستحق انها تصحي عشانه ..
وهي رافضه العودة للواقع بسبب الانفعالات الثايرة بداخلها وكان خير تعبير لها هو الهروب والابتعاد عن الواقع بكل مساوئه واحزانه وصدماته ..
بدءاً بصدمتها في خالد وانتهاءً بصدمتها في الحادث وفقد زميلاتها امام نظرها ..



***


في مجلس ناصر ..
مجتمعين على الغدا لأنه الكبير واعتادوا ان اول يوم الغدا يكون عنده ..
دخل على ابوه وعمه واخوانه وعماد وهم يسولفون قال ابوه من بين الجالسين : فهد من وين جيت وانا ابوك لنا اربع ساعات ندور عليك .
طالع فيهم وهو يحاول يتجلد ..
اليوم اول عيد يقضيه بدون سعود والأعياد القاتمة قادمة ..
قال بمرارة : رحت للمقبرة .
خيَّم الصمت على المجلس واكتفوا بالنظر والمواساة الصامته ..
التفت على عماد قال : ماوديت اهلك لجده ياابو مشعل .
: لا والله .. انا كنت عازم نايف وامه يجونا في العيد بس اللي صار ان بنت جيرانهم مدرسه في السبيل وصار عليها حادث وهي صديقة شادن وعلى حسب كلام نايف انها لو درت يمكن يصير لها شي .. وهو وامه اللي طلبوا مني مااجيبها لين صديقتها تطلع من المسشتفى .
قال فهد باهتمام : من تقصد ..؟ بنت ابو مشاري ..؟
رد عماد : ايه علمك نايف ..؟
: لاوالله ماعلمني نايف .. علمني شوفي لها ولحادثها ..
طالع في بندر وابوه قال : تذكرون الدم اللي على ثيابي يوم جيتكم تراه دمها كشر بوجهه قال : ريحته قعدت في خشمي خمسه ايام .
قاطعه عماد باهتمام : وين جيت الحادث ووشلون جاك دمها .
سرد فهد عليه السالفه ووصف الحادث ومساعدته للبنت وتحاشى الكلام عن حالتها وانهيارها وكلامها لزميلاتها لسبب يمكن يكون انه يذكره بحالته وسعود في حضنه جثه هامده ..ويمكن لسبب آخر ..


***

مرت ايام العيد عليها وهي في ضيقة .
قالت له بتروح لجده تعيد على اهلها بس قال اجليها لين انزل لجده ..
تحجج لها بالشغل في الديرة والطايف وان ماله نية يروح لجده ..
واكتفت بمكالمة امها من جواله الثريا اللي مايفتحه الا اوقات نادرة وللضرورة ..
من بعدها ماعادت فتحت معه الموضوع ..
ولا حاول يحتك فيها كثير ..
..
الليلة نايمه في غرفتها وبأمان الله ..
سمعت دقات خفيفه على باب غرفتها اللي قفلته وهي تبدل ونست تفتحه ..
فزت من نومها تتخبط بهلع وفتحت وزاد هلعها من منظره وشكله ..
صرخت بقوة : عماد .. عماد شفيك ..
مال بجسده عليها وهو يتأوه ويده على اعلى جنبه الأيمن قال بوجع وهو يمد عليها مفتاح سيارته : روحي لسيارتي هاتي كيس الأدوية اللي فيها .
ردت بخوف وهي تشوفه يرتجف وعيونه حمرا .. وزاد رعبها وهو يجري للحمام ويرجع اللي في معدته بصوت عالي ومتوجع ..
لحقته للحمام ولمحها قال : عجلي ياشادن لاتوقفين تطالعيني ..
راحت بسرعه وناداها بصوت عالي بألم : البسي شي قبل تطلعين .
اخذت عبايتها وطرحتها ولبستها وهي تجري زي المجنون الخايف الهارب اللي يدور على ملاذ وبنفس الوقت يطرد احد ..
فتحت باب الفيللا وباب السور بلا شعور ووصلت للسيارة ..
جربت المفاتيح الكثيرة اللي تجمعها مداليته الفضية واخيراً لقت المفتاح اللي انصاع له باب السيارة وفتحه ..
فتحت الدرج كأول توقع لها ان الأدوية راح تكون فيه ..
وفعلاً ماخاب توقعها وسحبت كيس الأدوية ورجعت تجري للبيت ..
وصلت غرفتها وهي تلهث ..
من سنين ماجرت زي كذا .. بس مو هذا المهم ..
المهم توصله وتلحقه ..
كان رامي نفسه على سريرها على وجهه وحاضن المخده على بطنه وصدره ..
اول ماحس بحركتها قام وجلس ..
مد يده على الكيس واخذها وطلع منه حبة مسكنة ومعاها حبتين من اللي اعتاد عليهم ودسها بفمه وشرب وراها موية من كاسة شادن اللي غالباً تلازم كومودينو سريرها ..
رجع تمدد على ظهره وهمس : لحفيني زين .
تأملته وهو يصارع الألم بصمت ..
وجهه الاصفر وحبات العرق تنتثر عليه ..!
التفت عليها وانتبهت لنفسها وسحبت اللحاف وغطته ..
مضت عليها دقايق وهي واقفه تطالع فيه بصمت ..
اخيراً استسلم للنوم وكأنه طفل الثلاث سنوات ..
بدون أي مقاومه او استدعاء واستجداء ..!
تسحبت من غرفتها وطلعت للصاله ..
كيف تنام بعد هالليلة العصيبه ..؟
وشلون تعيش معاه وتقدر تواجهه وتكلمه وهو كتلة استفهامات والغاز ..
جلست في الصاله اللي فوق ومابين فترة وفترة تطلع عليه وكان وضعه واحد وشكله واحد ..
الا ان ملامحه بدا عليها الارتياح اكثر من اول ..
سندت براسها على الكنبه وغفى جفنها قبل الأذان
اما من التعب او باستدراج ابليسها للنوم حتى ما تصلي صلاتها على الوقت ..




***


من بعد هذيك الليلة ماشافته الا يوم العيد ..
على قد ماتحبه على قد ماهي غاضبة ومقهورة منه ..
فتحت شباكها تدور اثاره وتمني عيونها بشوفته علّ الشوق يهدا ويهجد ..
ابد ماله اثر ..!
حتى المزرعه اللي اعتاد يروح لها يومياً ماراح لها من العيد .
وقفت اختها نورة وراها قالت : نوف لو سمحتي سكري الطاقه فضحتينا في الناس خلاص مامن مراقبتس له فايده .
سندت بظهرها على جدار غرفتها الاسمنتي وهي تطالع في اختها بحسرة وقهر قالت : نورة .. حظنا ليش كذا .
جلست نورة على الارض وكتابها في يدها تبي تراجع قبل الدوامات اللي بتبدا بكرة .
قالت : وش فيه حظنا .. عايشين من احسن شي .
جلست نوف باحباط قالت : وين هو اللي احسن شي وتشوفينه .. وش عاجبتس في حياتنا .. ابوي الشايب الفقير ولا امي اللي تشقا من يوم تصبح لين تمسي ولا فقرنا وبيتنا وحياتنا بلا اخو ولا سند .. وكله كوم وعيشتنا في القرية هذي كوم .. ليش ربي ماخلقني من بنات المدن وغنيه بدال هالعيشة اللي تقصر العمر .
ردت نورة بحده : احمدي ربتس يانوف غيرتس يتمنى عيشتس .. عندتس ام و ابو شايلينتس على كفوف راحتهم .. وموظفه وغيرتس مالقاها .. لاتعترضين على قسمة ربي ترى ربي مايقسم لعبده الا اللي يشوفه في مصلحته ويناسبه .
: مشكلتس يانورة ان تفكيرتس عند رجولتس ... طالعي في شادن مرة عماد ...
قاطعتها نورة : انتي ماخلاتس تفكرين بهالخرابيط الا عماد واحلامتس اللي نسجتيها معه . اصحي يانوف عماد مهوب لتس ولايفكر فيتس .. وحتى لو ماتزوج شادن عماد واي رجل في الدنيا مايحب البنت اللي ترمي نفسها عليه .
تطاير الشرر من عيون نوف وهي تقول : وانتي شايفتني رامية نفسي عليه .
: ايه مالتس شغله الا تقزينه مع الطاقه .. ولاتحسبين العنود ماعلمتني بسالفة الرسالة .. انا سكت عشانتس اختي الكبيرة وعشان ابوي وامي مايدرون وانتي تدرين ان ابوي لو درى عن سوالفتس وش بيصير له .
: فكيني فكيني بالله من محاضرتس اللي تجيب المرض .
: تصدقين اني جاية ابي اكلمتس في الموضوع هذا واشوا انتس اللي فتحتيه .
: اوووووووووف هذي من يصك فمها الحين .
: انا بقول لتس كلمتين ترى ان كررتي حركاتس هذي والله ثم والله يانوف لاعلم امي .. وامي ان درت تبي تقول لابوي جيب المملك وزوجها حمود واسترها .
ارتعبت نوف من طاري حمود قالت : الله ياخذ عدوتس يالخبلة فكيني من سيرة هالعله واذا اسمه معجبتس تراه حلال عليتس ماابيه ولا ابي طاريه .
وقفت نورة قالت : انتي اصلاً ماتستاهلينه .. لكن البلا انه يبيتس ومايبي غيرتس .
طلعت نورة وتركتها .. ونوف تتمتم بقهر : اللي يبينا عيت النفس تبغيه واللي نبي عيا البخت لايجيبه .. تبعت اثار اختها بنظرة حزينه وكملت : عيا البخت لا يجيبه يانورة ..



***


يوم دراسي اول ..
وصباح جديد وعودة للروتين اليومي ..
مرت من عنده منال لابسه مريولها وهو متوسد فخذ امه اللي تمسد له شعره ..
قالت منال : يمه شوفي حنان خليها تعجل .. كل شوي وهي لابسة بلوزة شكل .. وكل شوي وهي فاتحة شعرها وتغير شكله .
رد فهد وهو مغمض عيونه : علامتس يالعصلا اخلاقتس قافلة مع الصبح .
قالت : علتني اختك كل يوم وحنا داخلين المدرسة والطابور قد بدا .. ولولا الوكيلة تحبني ولا وقفتنا قدام البنات .
قام جلس قال : انا ولد ابوي .. تحبني وشو ..؟
ضحكت منال منه قال : ههههههههههههه وكيلتنا مصرية كبر جدتي حصة .
ابتسم فهد ورجع تمدد وحط راسه على فخذ امه من جديد قال : اشوا اشوا .. اللي نسمعه الايام هذي في المدارس يشيب الراس الله لايبلانا .
قالت حنان اللي جات تمشي وهي تلبس عبايتها : تكفى فهد اليوم تودينا للمدرسة ماعندك لاشغله ولا مشغله .
رد عليها بدون مايطالع فيها : اقول توكلي على الله بس خلي ودني .
سحبتها منال وهي تهمس لها : امشي امشي ياحنان خلينا نلحق خالد قبل يمشي هذا فهيدان والله مايتغير لو مدري وش يصير .
قالت حنان وهن يبتعدن عن جلسة فهد وامهم : والله اني قلت بيتغير بعد موت سعود ولا الحادث اللي شافه ويقول يروع .. بس شكل قلبه صخر .
..
وهو على وضعه قال لامه اللي تنصحه يدور له وظيفه الايام هذي وان كلام حنان صحيح : انا كلمت عماد ابي ابيه يدبر لي وظيفه تلهيني عن هالدنيا .
ردت امه بشفقه وخوف : بسم علينا .. ياوليدي لااسمع هالكلام منك .. تعوذ من ابليس ودور لك على وظيفه وانا ابي ادور لك البنت اللي تناسبك .
: لا الله يرحم ابوتس .. فكيني من طاري العرس .
: الله يهديك وانا امك .
قام جلس قال : انا بروح لعماد يمديه صحى ابيه يعلمني وش شغلي بالضبط .. الديرة هذي ماعاد اطيق اجلس فيها مير الله يصبرني .
: الله وانا امك ييسر لك دروبك ويرزقك الصلاح والهداية ويجازي عماد بالخير يوم خيره ماكفه عنا من يوم ربي رزقه .
طلع فهد من عندها وبقلبه وشلون يهج ..
صبر عشرين يوم في الديرة بدون سعود ..
بس ذبحه الشوق وماعاد له طاقه على الاحتمال ..
رغم انه يروح لقبره كل يوم ويكلمه ويسولف عليه ويدعي له ويرجع .
ومع هذا ماطاق المكان بلاه وبدونه ..



***



صحت من نومتها وفزت تبي تشوفه ..
بس تسمرت بمكانها وهي ماتشوف الا مكانه ..
التفتت للحمام وشافته خالي وطلعت تدوره ..
دقت باب غرفته ودخلت وسمعت صوت الشاور ورجعت ..
توضأت وصلت ولبست بسرعه وهي تهادي الوقت لايسبقها ثم تفتح نوف عليها الباب اللي ماينصك بسهوله معاها هي بالذات ..
طلعت وهي لابسه عبايتها ومرت عليه شافته يمشط شعره المبلل ولابس ثوبه قال بصوت عادي وهادي : خلصتي ..؟
طالعت فيه تتفحصه ..؟
معقوله هذا اللي كان البارحه عندها بغى يموت ..
بس باين في وجهه اثار التعب ..
قالت : صباح الخير .
التفت عليها ورجع طالع في المرايه قال : صباح النور عجلي انا اللي بوصلك للمدرسه .
: كيفك الحين .
رمى الفرشه من يده وجا يمشي عندها قال : انا بخير مافيني شي بس لاتجيبين طاري لا لجدتي ولا تعلمين فوزية ثم يتنشر الخبر في الديرة كلها .
صرت عيونها بشك قالت : خبر ايش ..؟
: ها .. خبر اني تعبت امس .. يالله ترى ماباقي وقت ..؟
: الحين انت كويس .
فتح يدينه قال : وش تشوفين ..؟
اغتصبت ابتسامه من عمق حيرتها ورسمتها على وجهها قالت : الحمد لله .
رجعت لغرفتها وطلعت بعد دقايق قليله كانت في المدرسة ..
سلمت على زميلاتها وكلها شوق لمواجهة عزة مدرسة الانجليزي الجديدة ..
جاتها عزة الهادية والمنطوية على نفسها كثير ..
: هلا شادن ..
: عزة ابغى منك خدمه .. خذي الورقه وترجميها لي بالحرف . بس عزة ابغى الموضوع بيني وبينك .
اخذت عزة ورقة الفحص الطبي اللي عثرت عليها شادن من بين علب الأدوية في الكيس واخذتها تقرأها بس طلعت كلها مصطلحات طبية مافهمت منها شي الا اسم عماد مشعل ال ... وتاريخ الفحص قبل شهر ..
قرأتها عزة وهي تعقد حواجبها قالت شادن بلهفه : عزة اش فيها ..؟
كملت عزة ورفعت راسها قالت : هذا تحليل اسمه( انتي اتش بي اس ) (Anti-HBs ) ويقول ان نتيجته سلبيه للأسف .
فتحت شادن فمها قالت : ويعني ..؟
: اللي فهمته من الكلام اللي هنا انه تحليل خاص بفيروس الكبد الوبائي بي .. ..
وضاع الكلاااام ..
وضاقت الدنيا
وتاه النظر والسمع وكل الاحساس ..
تسندت على عزة ومسكتها عزة بلهفه : شادن شادن .. ياربي اش سويت لك .. شادن ياعمري اصحي .
دخلت نوير وشادن في حضن عزة مغشيه ..
وبسرعه خرجت عطرها من شنطتها وبخت عليها وغسلت وجهها بمويه قالت : خلينا نوديها للبيت .
اخذت عزة الورقة وحطتها في شنطة شادن اللي نزلت دموعها بدون مقاومه ..
قالت نوير بحنان : شادن قلبي تبين ترجعين للبيت .
هزت راسها بإيه ودموعها مغرقه وجهها وسط ذهول نوير وأسف عزة .
طلعت نوير لنوف اللي اعترضت في البداية وتحت الحاح نوير وافقت .
مشت مع نوير والدنيا في عيونها صغيرة ..
اجل مريض وانا الومه ..!
مريض ..؟
حبيب جدتي مريض ..
زوجي مريض ..؟
واي مرض ياشادن ..
ماردت على نداءات نوير المتتاليه لها ..
وصلت بيتها وهي سارحه وهايمه وصامته ..
دقت نوير الباب ورجعت وهي تشوف عماد يفتح الباب ويسأل بلهفه ..
: شادن .. خير وش فيك ..؟












فصلٌ ثالث عشر


~~ تـــعـب قــلبـي ودمعي قرح جفوني ~~

صبحٌ جديد ..
متخمٌ بالشجن ..
مشبعٌ بالأسى ..
اللهفة تقودهما بلا شعور ..
هي تكتظ بؤساً وشقاء ..
وهو يمتليء كله اسئلة خوف ..

كل الأسئلة ذبلت وتساقطت وهو يشوفها تشهق وترتجف ..
سمع نوير تتمتم بحرج : تعبت في المدرسة وجبتها .
استحت نوير من وجودها بينهم وانحرجت اكثر وهي تشوفه يناظر في شادن بخوف وقلق ومستحي يتقدم ..
نزلت اغراض شادن على الأرض ورجعت بسرعه .
مد يده عليها ومسكها بساعدها وهو يدخلها ويسألها : تقدرين تمشين ..؟ وش تحسين به ..؟ وش صار لك ..؟
مادرت عليه وكانت شهقاتها خير معبر وجواب للي تحس فيه ..
قال بلهفه وهو يشد على ساعدها الصغير على قبضته بقوة : شادن ردي عليّ .. تبين دكتور .. ؟
هزت راسها بلا وهي تحاول تكبت نشيجها تحت غطاها اللي ماشالته من وجهها ..
قال حتى يهديها : زين زين تعالي ارتاحي .
دخل ونادى على الشغاله بصوت عالي : لسلي بسرعه روحي جيبي اغراض المدام من برا .
مافلتها من يدها وهي تطلع معاه لحد مادخلت الغرفه ..
سحب غطاها وهو يقول بدون ماينتبه للي تحت الغطا : تعالي ارتاحي وعلميني وش فيك بالضبط ..
تجمد الكلام على شفاهه وهو يطالع في وجهها ..
وفترت كل عضلات جسمه وتخدرت ملامحه ..
وش صاير ..؟
اكيد انها عرفت بموضوع زميلاتها وصديقتها ..
الله يعين لابد اوديها ..
تذكر نوف وحركاتها وتمردها في الايام الأخيرة
لاتكون بنت لافي قايلة لها شي ولا مزعلتها ثم العن خيّرها ..
تبي تحدني على اذيتها وابوها المسكين مايستاهل ..
كل هذا دار في مخيلته خلال ثواني ..
طالع في وجهها من جديد وهي تمسح الدموع بيدينها وشهقاتها متعاقبة ومتواصله ..
مسح على شعرها قال ببرود : ادخلي غسلي وجهك .
فتحت طرحتها وعباتها وهي تطالع في وجهه المخطوف لونه من اثر تعب امس ..
عيونه ذبلانه رغم الخوف اللي تأجج فيها والقلق اللي بان على نظرتها ..
ابتسم نصف ابتسامه من نظراتها فيه قال : شادن وش اللي صار ؟.
ارتجفت شفايفها وهي ضايعه وخايفه ومتردده ..
أي طريق تسلكه معاه ..
وأي كلام تقوله ..
انا كشفت سرك ..؟
ولاَّ تراني عرفت علتك ..؟
وماعاد فيه امل انك تخبي وتخفي ..
ركزت بنظراتها في عيونه اللي تاكلها بقلق وخوف وعدم فهم اللي يصير ..
تمتمت وهي ترتجف : عماااد .. عماااد .. عماااد .. انا .. وانخرطت في بكاء مرير ..
حطت يدينها على وجهها وضمت عليه بقوة وهي تنتحب وهو في هاله من الذهول يحاصره ويحيطه ..
فتح يدينه ولمها كلها على صدره ..
وهمس لها بحنان وخوف : خلاص هدي نفسك .. تعالي غسلي وجهك ..
وعلميني بكل شي صاير لك يا .. ..
بتر كلمته وسكت لثواني وكمل : عجلي يالله لاتخليني اقلق عليك اكثر .
دفنت وجهها في صدره لأول مرة برغبتها وبجنونها وحبها وحنانها وخوفها عليه وشوقها له ..
استنشقت ريحة جسمه اللي امتزجت مع ريحة عطره العود المعتق وتغلغلت لروحها وقلبها قبل انفها ..
رفع راسها وشاف دموعها مختلطه بكحلها ..
تذكر ليلة زواجها ..
ومناحتها ،
ودموعها ،
وكحلها اللي احالته الدموع لسيل اسود يجري على خدودها ..
لثم جبينها مرات كثيرة ودفن وجهها بصدره وهو يستجديها انها تهدي حالها ويكرر : خلاص يابنت الحلال .. وشو له كل هذا .. خلاص هدي نفسك .
رفع راسها وكمل : شادن طالعي فيني .. علميني وش فيك ..
ماكان منها جواب و مشاها لحد ماوصلت الحمام قال بحنان الاخو والابو وولد العمه والزوج التايه الخايف والضايع : ادخلي معي وغسلي و جهك يالله .
دخلت منصاعه لامره وملبيه لكل رغباته وكل مافيها ينبض بـ " أبشر ولبيه واللي تامر فيه .. "
غسلت وجهها بالمويه البارده وهو بجنبها قالت وهي تشهق : خلاص .. خلاص .. خلاص الحين هادية بس خلني اغسل زين .
هز راسه اللي فيه مليون سؤال وكل خوفه ان نوف جرحتها بشي ولا تعرضت لها وقهرتها وهو يطلع من الحمام ..
جلس على السرير ينتظرها وراسه بين يدينه يفكر ويتخيل ويتوقع ويهدد ويتوعد ..
رفعه بعد دقايق وهي خارجه من الحمام بعد ماغسلت وجهها وفي يدها منديل تجففه فيه ..
وأشر على السرير بجنبه بمحاولة جاهدة منه انه يمنع نفسه لايقوم ويحضنها لين يشفي صدره واللي بداخله قال بهدوء : تعالي هنا .
فتحت شباصتها بقلق وتوتر وانسدل شعرها الناعم اللي تجاوز اكتافها باهمال ..
وجلست قريب منه
الحيا وعدم التعود يمنعها ..
وخوفها عليه وحبها له اللي اكتشفت جنونه اليوم يقربها منه ..
دارت في راسها اكثر من فكرة تعتذر فيها عن بكاها لحد ماتلاقي طريقه تواجهه فيها ..
أخيراً رست على فكرة عل وعسى انها تقنعه وهي تسمعه يقول : تعبانه تبين الشغالة تسوي لك قرفه مدري وش اللي كنتي تشربينه .
ابتسمت وهي مخنوقه ودموعها تملى محاجرها ..
قالت بحنان وهي تتأمل جبينه وعيونه : لا مايحتاج . انا آسفه اني ازعجتك وانت تعبان ..!
تنهد بقلة صبر وضم جفونه على عيونه بقوة وفتحها قال : وش اللي صار . ؟
اخذت شادن منديل ومسحت عيونها وخشمها قالت : ولا شي بس وحدة من زميلاتي كلمت امي ..
طالع في عيونها ينتظر سيرة الحادث قال : ايوه وبعدين .!!
: تقول انها مشتاقة لي واني طولت عليها ..
رد بعفوية وصدق : وهي صادقه والله .. طولتي بالحييل عليها لكن هانت خلاص اليوم نمشي لها .
رفعت نظرها لعماد وتجمع الدمع بعيونها وهي تتذكر كلام عزة البعيد عن امها وسيرتها وارتجفت شفتها وهي على حافة الانهيار من جديد قالت : مافيني اتحمل .
لف يدينه عليها بسرعه وكأنه يقول " تعالي احضنك بدالها واعوضك عنها "
ضمها على صدره وهو يردد : وبس هذا اللي صبحك ونكد عليك .. وبس هذا اللي نزل هالدموع .. انفاسه الحارة تلهف وجهها ويدينه تحيطها ..
وصدره يلمها ..
وكله يحاصرها ..
وهي كتلة الوجع والقهر منسجمة على المساحة العريضه اللي احتوتها بكل امان وحنان ..
شافها مرتاحة وكأنها تلوذ به من شي وتركها على صدره دقايق وهو تداهمه احاسيس مختلفه ..
ويجتاحه شعور مجنون انه يضمها اكثر ويلمها من راسها لرجولها في حضنه ..
قال بهمس وصوت مختلف : ماتبين تقولين وش فيك ..؟
رفعت راسها قالت بتجلد وصبر واخفت وراه الضعف والكسر : خلاص قلت على اللي فيني .. مسحت سيل الدموع بيدينها وكملت بابتسامه باكيه : الحين ماعاد فيني شي .
: زين يالله البسي والحين نمشي لجده .
هزت راسها بلا ودموعها تنساب من جديد ..
قالت بصوت مبحوح من اثر البكا : مااقدر اروح الحين .
عقد حواجبه مندهش من رفضها قال : ليش ماتبين ..؟ اذا تخافين الدوام يردك ماعليك .. ماباقي عن الاختبارات شي وانا اجيب لك عذر بس قومي ..
رجعت خصلتها اللي اعتادت التمرد ورى اذنها ورجعت تتمرد من جديد قالت : مو اليوم .. انت لسه تعبان .
مسد ظهرها وهو يقول : ماعادني تعبان بس قومي والبسي .
رفعت له راسها قالت بلهجه فيها عصبيه تحاول تخفيها : الا تعبان ولازم ترتاح ..
رجعت حطت راسها على صدره وكملت بضعف : لاتضغط علي الله يخليك .
الجو مشحون بالعواطف الجياشه ..
حنان وخوف
وشعور بالانجذاب والانجراف ..
ورغبه بالاحتواء والاحتضتان ..
وخوفه ان رغبته تدفعه لها اكثر تحت تأثير العاطفه ..
بس لابد يدور على مفر ومنفذ للهروب ..
طالع في الباب وده يبعد ومشاعره ورجوله تمنعه ..
قال بعد تنهيده معبرة : انا برسل الشغاله عليك بشي تاكلينه ووقفي دموع يابنت الحلال .. ترى الدعوة مو محتاجه كل هالبكا تبين اهلك قومي اوديك .. ولا اذا فيه شي ثاني يبكيك ..
قاطعته بسرعه : لا مافيه غير اللي قلت لك .
رد بحزم ولهجه آمرة : اجل يالله قومي البسي وانا بنزل لفهد وجدتي وارجع الاقيك جاهزة ..
كانت بتتكلم وتعترض بس سكتها بحزم قال : يالله لاتجادليني .
قال جملته وهو يبعد عنها وطلع من الغرفه يدور ابعد مكان عنها يخمد شعوره تجاهها ويهجد احساسه ناحيتها .
رجع لها بعد ثواني قال بجديه وصوت جاف : انتبهي لاتنزلين ترى فهد في غرفة جدتي .
هزت راسها وهي تتبعه بنظراتها لين اختفى من امامها ..
وقامت دخلت الحمام ..
اخذت لها شور سريع ينشطها حتى تستعد لمواجهة حياتها الجديدة ..
وحتى ينعشها بعد سيل الدموع اللي سكبتها وورمت لها وجهها وعيونها ..
وحتى تاخذ راحتها في الحمام وتكمل الباقي من الدموع المخزنة وللحين مانزلت كلها .
الموضوع مو عادي ابداً ..
والحياة مو سهله ..
وعماد مو أي احد ..
وهي لابد تتصرف بعقلانيه واضعه شعوره واحساسه وحياته في الأولوية ورأس القائمة ..
أي تصرف خاطيء او تهور يمكن يزعزع حياتها بلحظة ويمكن ينهيها ..
لبست تنورة جينز سماوي وعليها بلوزة واسعه الوانها مموجه بتداخل البني والتركواز ..
جففت شعرها وهي تسترجع كل كلمة قالها وكل فعل افتعله من يوم عرفته لليوم ..
قسوته ولينه ..
جفاه وقربه ..
تجاهله لها وغزله ..
معناتها يبيها ويبي قربها والمرض هو الحاجز اللي يمنعه ويحيل بينه وبينها ..
وش الحل ..؟
تواجهه وتحط يدها على كتفه وتقول انا معك للأبد ..
ولا تسكت وتكون العون الخفي ..
غمضت عيونها وهي تلم شعرها اللي انسدل على اكتافها وتمتمت لربها انه يعينها ويساعدها على ماابتلاها لأنه هو الأقدر والأقوى والأعلم بالغيبيات وله القدرة على التحكم فيها ..


***


نزل من عند شادن لجدته وفهد اللي جاه من بدري ..
عقله مشغول وقلبه منشغل ..
قالت جدته اول ماشافت وجهه : انت وين رحت اللي دق عليك من ..؟
زم شفايفه قال : شادن رجعت من المدرسه .
فز قلب ام ناصر لهفه وخوف قالت : وش ردها هالحزة عسى ماهيب تعبانه .
جلس عندهم وعيون فهد تتأمل صدر عماد الملطخ بكحل شادن وروجها قال : والله ماادري عنها تبكي وتقول ان فيه مدرسه من زميلاتها كلمت امها وانها مشتاقة لها وطولت عليها ... زفر وكمل : الظاهر اني بوديها الحين لها .
: ليت ماعلموها عن حادث خوياتها .
ارتعب فهد من السيرة وعقد حواجبه لاشعورياً ..
وسرعان مافردها ورجعت الابتسامه متناسي وملتهي بحال عماد والآثار اللي على ثوبه ..
قال عماد وهو يجلس ويتكي وعقله ياخذ ويودي : مااعتقد .. لأنها ماجابت سيرته ومن كلام نايف انها متعلقه في صديقتها ولو درت ماقعدت دقيقه وحده .
رشف فهد من فنجاله وهو يدقق في صدر عماد عنوة وعمداً وقصد اً..
قال وهو يبتسم : والله شكل البنت مشتاقه لاهلها بس البركه فيك ياابو مشعل .
طالع عماد في المكان اللي فهد غارس عيونه فيه وهو يتكلم ..
تأمل آثارها عليه وسكت ثواني وعيونه على صدر ثوبه وخالجه شعور غريب مافسره ..
اخيراً رفع نظره لفهد وقال وعلى شفاهه ابتسامه حيَّة وبحرج : اشوفك تطالع في جيبي اذا تبي فلوس علمني لايردك شي .
اتسعت ابتسامة فهد قال : لاوالله الا ابي حنان .
ضحك عماد اللي فهم قصده قال : اقول اقلب وجهك بس . ثم يالله قوم وتوكل واسبقني للشركه .
قاطعته ام ناصر : حنان من ..؟ اختك ..؟ علامها وش بلاها ..؟
اخذ فهد شماغه ولبس طاقيته وهو يوجه كلامه لجدته ويقول : حنان مهب اختي .. حنان والله من اللي عند ابو مشعل .. الا اقول ياام ناصر الرجال ضيعته مرته ماغير مقابلها وتارك اشغاله خليها تحرره شوي ..
اخذت ام ناصر عصاها وهشت بها عليه قالت مقاطعته بلهجة حاده : انت وش تبي به هو ومرته .. ثم تراني من بكرة بروح اخطب لك من بنات لافي اشبع بحنانهن واترك عماد عنك .
فتح فهد عيونه وهو يطالع في عماد قال : وش لافي ....؟ لايكون لافي جاركم .
ردت بحده : ايه جارنا .. بخطب لك بنته المديرة دامك توظفت وتسنعت .
امتعض عماد من الطاري وفضل انه يسكت لأن الموضوع مايتعدى المزح وماحب انه يلفت النظر لرأيه وردة فعله ..
قال فهد وهو يعدل عقاله على راسه ويطالع في عماد : داخل على الله ثم عليك ياابو مشعل .. فكني من عجوزك لاتسوي فيني سواتها فيك .
ضحك عماد وهو يوقف معاه : موب قبل شوي تبي حنان .. هذا هو الحنان جاك يمشي برجوله .
كشر فهد بوجهه قال : تراني في وجهك ياعماد فكني منها ..اخاف اجي من جده والاقي هالعجوز قاضيةٍ من الملكة والعرس وجايبةٍ الحرمة في بيت ابوي . .
ضحك عماد منه وابتسمت ام ناصر من اسلوب فهد اللي بدا يرجع لطبعه ولو ان فيه حزن واضح وتغيير كبير ..
تكلم عماد وهو معقد حواجبه ويحاول يخفي الضحكه : استح على وجهك وقدر الاكبر منك لاتخليني ازوجك انا وغصب عنك ..
: عز الله بغيتك عون لقيتك فرعون .. الا اقول ماعلمتني وش وظيفتي .
قال عماد : انت متى بتمشي لجده ؟
: الحين بمشي .. تنهد وكمل : الديرة ماتنطاق من بعد اللي راح الله يرحمه .
ربت عماد على كتف فهد قال محاول تغيير السيرة وعدم الخوض فيها : توكل على الله وقابل فايز وانا اكلمه لك قبل اجيكم .. طالع في ساعته وكمل : انا بطلع البس واودي الحرمه اهلها .
تكلمت ام ناصر : ايه ياوليدي ارحم حالها تراها ابطت على امها .
قال فهد : يالله يالله .. اشوفكم على خير . انتظرك ياابو مشعل اليوم في جده .
هز عماد راسه لفهد وهو يقول : الله يستر عليك .. انتبه لاتسرع على سيارة نايف ..
رد فهد وهو يمشي متوجه للبوابه : مانيب راعي سرعه يالله سلام .
صك الباب وراه والتفت عماد لجدته اللي قالت : ياوليدي ياعماد مرتك ضعيفه شوف وش ينقصها ولاتخليها تحتاج شي وهي عندك .
: الله كريم يالغاليه .. انتي بس لاتفكرين باحد ولاتشيلين هم احد .
: ان ماشلت همك انت وبنية خالد الله يرحمه وش ابي بعمري .
مال عليها وسلم على راسها قال : والله ماقد ارتحت ليا ابعدت عنتس الا وشادن عندتس .. وهالمرة ان اخذتها ماادري وشلون ارتاح هناك .
: تعوذ من ابليس وانا جدتك .. واخذ مرتك ومشها واقعد معها عند اهلها وانا معي ربي متعودة من خلقتي على بيتي وعيالي مايبطون عليّ وهذي فوزية عندي كل يوم .
: زين يالله انا بطلع ابدل ملابسي ونمشي بدري قبل الجو يحتر .
طلع مع الدرج وهي تلهج بالدعوات الطيبة اللي اعتاد عليها وتعودت انها تدعيها له ..



***



في مستشفى فقيه بجده ..
تسلل صوت ام نايف اللي حلفت انها تبات مع سارة في المستشفى لسمعها وهي تقرأ عليها وتنفث بالمعوذات وآية الكرسي واللهم رب الناس مذهب الباس اشفها انت الشافي لاشفاء الا شفاؤك .. شفاءٌ لايغادره سقماً ..
رجع لها الشريط المؤلم زي كل مرة لمن تصحى بعد ساعات المنوم والمسكن ..
تذكرت لمن فزت من نومها مفزوعه على صراخ اميرة .. ونورة .. وتشهد فاطمه والجيمس يتقلب بعد مافقد ابو سعد السيطرة عليه ..!
والارتطام الأخير بعد مارماها من الباب اللي انفتح فجأة ..
وفقدانها لاصوات البنات ..!
تردد في سمعها صوت ساميه وهي تصرخ وتنادي اهلها وزوجها .. وتردد بنموت خلاااص ..
تذكرت آخر جملة لأميرة وهي تتشهد وتمتم بعيالي عيالي ..
وفجر قلبها وعقلها وسمعها صوت فاطمه باطمئنان وهي تتشهد خارج الجيمس اللي رماها وارتطمت على راسها وسيل الدم ينساب من اذنها الى ان فاضت الروح ..
انتبهت ام نايف لدموعها اللي بللت خدودها ..
واخذت منديل وقربت منها وهي تمسح دموعها وتقول : سارة حبيبتي ترى انتي بخير ماعندك الا كسور خفيفه وكلها ايام وتطلعين من المستشفى .
شهقت من دون ماتتكلم او تفتح عيونها ..
وهمست ام نايف : الحمد لله على السلامه .. ويالله احمدي ربي واشكريه على الصحة والسلامه .
هروبها كان صمت وغطا عيون ..
وأفكارها وقلبها مدفون في غبار الحادث وبين صراخ البنات وتأوهات ابو سعد اللي ماطالت ..
حاولت ام نايف تبعدها عن التفكير اللي واثقه انه في زميلاتها وحادثهن ومسحت على راسها قالت : امك وابوك ومشاري كلهم كانوا هنا ... وترى تلفوناتنا مافصلت كل الناس يسألون عنك ومهتمين فيك ويدعون لك بالسلامه .
حست بالألم يسري بيدها المكسورة ثلاثه كسور ومجبسة من الكتف للكف ..
وتأوهت من العمق بصمت وهي مكشرة ..!
قالت ام نايف : تبغين شي ياسارة ..؟ قولي لي وانا اسويه لك ..!
دخلت امها الغرفه وبعد ماسلمت وسألت عن حال سارة .. طمنتها ام نايف انها اليوم احسن وقامت طلعت من الغرفه احتراما لابو مشاري اللي بيدخل يتطمن على بنته بنفس الوقت بترجع لبيتها بما ان مهمتها انتهت بوجود ام سارة مع بنتها ..!
دخل ابوها وتهلل وجهه وهو يشوف سارة معقده حواجبها وتتألم دلالة على انها صاحية وتحس
سلم على جبينها قال : ماشاء الله تبارك الله ... لا اليوم دلوعة ابوها طيبة ..
قرب من اذنها وهمس : الحمد لله اللي طمن قلبي عليك .. يالله شدي حيلك عشان ترجعين معانا للبيت بسرعه .
ماتحرك منها شي لأن كل هالكلمات المشجعه تسمعها كل يوم بس ماأثرت فيها مع هول مصابها وعظم فجعتها ..
شدت امها على يدها وهي تقول : سارة ياحبيبة امها والله قطعتي قلبي عليك اسمعيني وشوفي حالي تراني ماعدت انام زي المسلمين وحالك هذا .
مرت الكلمات من عندها عبثاً وهباء ..
الاحساس مفقود الا بعاصفة الحادث الهوجاء ..
والألم اللي يشتد بباطن قلبها وجسدها .
وكل الشعور ميت الا من الوجع ..
ربت مشاري على كتفها وهو يقول : خلاص ياسويره هانت كلها كم يوم وتخرجين من المستشفى لاتزودين الدلع ترى اشتقنا لك ..
تنهدت بقوة وبقلبها " وين اخرج وكيف اخرج وليه اخرج وبأي حال يامشاري تبغاني اخرج "
دخلت عليها الممرضه وحقنتها بمسكن ومنوم ادخلها في نوم عميق من جديد .. وابعدها عن الواقع لساعات ..
واضطر ابوها انه يرجع لشغله بصحبة مشاري ..
اما امها فجلست على الكرسي مكان ام نايف وشغلت المسجل الصغير اللي جابته على صوت الشيخ سعود الشريم لعله يهدي نفسها ويريحها ويصبرها ..



***


بعد ماوصل الشركه وعرفه فايز على الموظفين ومكتبه الخاص .
جلس على الكرسي الدوار اللي مااعتاده ولا تعود عليه ..
الشغل وجوه وروتينه شي غريب عليه بس لابد يسلك حياة جديده ..
كل شي وله نهاية ..
والونس والمرح وحياة المزاجية انتهت من يوم مانتهى سعود وفنت معاه ..
بدأت حياة الجدية ..
والهروب من التفكير في اللي راح لابد منه حتى يقدر يكمل باقي حياته انسان طبيعي ..
لأنه لو بقى يفكر في سعود فلامحاله راح يصيبه الجنون .
اليوم كأي اول يوم دوام .
مافيه شغل ولا كلفه فايز بأي شي غير انه يتعرف على المكان واهله . .
دخل عليه الفراش ببيالة شاهي وهو يرحب فيه من اول ماعرف انه يقرب لرئيس الشركه ..
: حياك الله ياولدي .. ياريحة الرجال الطيب .
ابتسم له فهد وهو ياخذ بيالة الشاهي من الصينية ويقول : الله يسلمك ياعم ...
قاطعه : عمك سعيد . وابو عماد ..عندي ست بنات وولد عمره سنتين سميته على اسم الغالي رئيس الشركه وصاروا الناس ينادوني بأبو عماد ..
هز راسه وهو يقول : الله يسلمك ياعم سعيد ... اجل سميت على اسم ابو مشعل .
: ايه والله ياولدي يستاهل من يسمي عليه .. عارف اش كانت هديته لولدي .
رشف فهد من الشاهي قال : وش اهداك ..؟
: بيت على قدنا انا وبناتي وسجله باسمي ..
هز راسه فهد مو مستغرب من عماد هالفعل قال : مو غريبه على ابو مشعل خيره ضافي على الجميع ..
: اي والله وانت صادق ياولدي ..
طلع الشايب وهو يدعي لعماد بصوت عالي على انه فك ضقته وفرج كربه ويسر عليه ببيت ملك بعد الإجار اللي كان كاسر ظهره ..
تبعه فهد بنظراته وهو يتذكر عماد ..
هذا عماد بكل مكان يروح له يغرس له في قلوب اهله مكان ..
ورغم انه محبوب الا انه فارض هيبته واحترامه وشخصيته على الجميع ..
رمى فهد مفتاحه على المكتب وطلع جواله ودق على نايف بياخذ اخباره ويسأله السؤال اللي اشغله من يوم الحادث لليوم ..
رد نايف : هلااااااا والله حيا الله هالصوت .
: هلا بك والله .. وشلونك ياابو خالد .
: الحمد لله بخير ماناقصني غير جيتك للبيت .
حط فهد رجله على طرف المكتب وسند بظهره على الكرسي قال : الله يسلمك ويجعلك دوم بخير .. وينك شكلك في الطريق .
: ايه والله رايح اجيب الوالده من المستشفى .
: عسى ماشر .
: ماشر ان شاء الله .. البارحة رافقت مع بنت جارنا ابو مشاري .
تنحنح فهد ونزل رجله وعدل جلسته قال : اها... صحيح وش هي اخبارها ماطلعت من المستشفى .
: لاوالله ماطلعت للحين عندها انهيار عصبي المهم تكفون شادن لاتدري عنها .
: لا اليوم عماد يقول انها للحين مادرت عنها . اجل جابوها لجده ..؟
: ايه جابها ابوها لفقيه .. المهم ترى ابومشاري موصيني اول مااشوفك ولااكلمك اقول لك انه يبيك ضروري ولازم يشوفك .
عقد فهد حواجبه قال : وش يبي ..؟
: والله ماادري بس انت قابله وشوف وش يبي ..؟
وقف فهد وهو يتفقد مفاتيحه ومحفظته قال : زين انا بعد ساعه وانا عندك في البيت ان شاء الله يمديك ترجع قبل .
: ايه خلاص هذاني عند المستشفى وربع ساعه وانا في البيت انتظرك بإذن الله .
: زين زين يالله اشوفك اجل بعد شوي .
: اوكي .. مع السلامه .
قفل من نايف وطلع من الشركه ..
وش يبي ابو مشاري . .
الله يستر لايكون في قلب الرجال شي عليّ وانا شايل بنته على ذراعي .
تذكر مكان الدم على ملابسه ..
صدره وبطنه وكتفه ..
وقشعر جسمه وهو يتذكر نظرات مشاري وهو يسأله عن الدم ..
اكيد عرفوا كيف شلتها ..
زفر وهو يزم شفايفه وبداخله رغبه لمعرفة وش يبي ابو مشاري منه يناقضها الابتعاد عنه وعن الاحراج له ولا لمشاري وابوه ..
ركب سيارته وتوجه لبيت نايف اللي يبعد عن شركة عماد قرابة الساعه الا ربع ..



***



كان الطريق طويل ..
هي اغلب وقتها ساكته او ترد عليه اذا قال اشربي ولا كلي ..
وهو اغلب وقته يرد على المكالمات اللي انهالت عليه ..
سمعت طريقته في الكلام مع الناس ..
صوته لوحده يحسسها بهيبته ..
ولهجته واسلوبه وطريقته الآمرة غالباً والمحترمه دايماً واللي محورها الى الآن عن الشغل والتجارة والاسهم .
تأملت يده السمرا وهي تمسك المقود بارتياح وانسجام ..
ساعته اللي تطوق معصمها بشياكه وفخامه ..
نظارته السوداء المناسبه لتشكيل وجهه الوسيم وتغطي عيونه ومظهرته بصورة ولا في احلام النساء ..
مسبحته وحباتها الفضية ومطوقه بخيط ذهبي ناعم ..
محفظته الجلد الغاليه واللي نزلها بجنبه بعد ماطلع منها بطاقة فيها رقم تلفون املاه على واحد كان يكلمه ..
جواله الأنيق اللي ينتقل من اذن لاذن بحركة رجولية ساحرة ..
ومدالية مفاتيحه اللي تشبه المسبحه قطعه فضية عريضه ومطوقه بخيط ذهبي رفيع ومحفور اسمه فيها ( عماد ال .. )
وقلمه الفخم اللي لمعته تعكس اشعة الشمس وتجهر اللي يطالع فيه ..
حتى جزمته ( الله يكرمكم ) فخمه وأنيقه
كل مافيه ينضخ بالفخامه والهيبه ..
تنهدت وهي تتذكر مرضه اللي ممكن بلحظة ياخذه من الدنيا ويتركها ويترك وراه كل هاللي يحيطه ..
ممكن ياخذه وتنحرم من هالصوت والوجه والأحاسيس اللي غمرها به اليوم بالذات ..
شهقت بصوت واضح ماقدرت تكبته وهو يكلم فايز ويوصيه على فهد ..
والتفت عليها قال : فايز اكلمك انا بعد شوي مضطر اقفل .. يالله مع السلامه .
مد عليها علبة المنديل وسحبت منه واحد وهو ساكت .. ومسحت وجهها من تحت غطاها وهي تاخذ نفس عميق حس به عماد ..
اخذ قارورة الموية ومدها عليها وعينه على الطريق قال : خذي اشربي وتعوذي من ابليس .
اخذت القارورة وشربت منها شوية قالت بهمس : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
قال : انتي سامعه شي مو زين قولي لي يمكن اقتنع بسالفة البكا والدموع هذي .
عورها بطنها بقوة وهي تحس نفسها كذابه في نظره وان كذبتها مامشت عليه وخافت انه يكتشف اللي مداريته عنه ..
قالت : لا ماسمعت شي ..
: زين تبين تكلمين اهلك قبل مانوصلهم تقولين لهم انك جايتهم .
ردت بصوت مبحوح : لا مااقدر اكلمهم .
عرف انها ماتبيهم يسمعون صوتها الباكي واخذ جواله دق على بيت نايف ومالقى رد ودق على جوال نايف على طول ..
ووصله صوت نايف اللي يرحب ويهلي كالعاده اذا كلمه عماد ..
قال عماد بعد ماسأله عن حاله واخباره .. : ترانا جايين انا وشادن عندكم .. باقي لنا نص ساعه وندخل جده ان شاء الله .
: الله يحييكم وهذي الساعه المباركه .. درت عن زميلاتها ..
حط عماد تلفونه على اذنه اليسار مايبي شادن تسمع قال : لا لا . على العموم حنا شوي ونكون عندكم وناخذ اخباركم كلها ..
: انتظرك الله يحييكم ..
قفل عماد من نايف والتفت على شادن وهي تفتح شنطتها وتطلع شنطة الميك اب الصغيرة واللي دايماً تحتفظ بها في شنطة يدها قالت : عماد ممكن توقف شوية . ابغى اسوي مكياجي اكيد شكلي يخرع الحين .
ابتسم قال : شكلتس يخرع من الدموع اللي ماكفت ومدري وش سببها ..
هدى السرعه ووقف على جنب مبتعد شوي عن الطريق والسيارات اللي تلتهمه مسرعه ..
فتحت غطاها وطلعت مرايتها وهي تحاول تصد عنه حتى مايشوف شكلها اللي الباكي ومورم ..
حطت طبقة اساس خفيفه وباودر وبلاشر ونثرت شادو بلون الزهر بحركه سريعه ..
التفت عليها وهي تحط قلوس الزهري بخفة على شفايفها اللي وهجها البكا اكثر ..
وصد عنها بصعوبه ..
رجال ياعالم ..
وبكامل رجولتي ..
ومع انثى مكتمله ..
وشلون اصد بسهوله ..
وشلون امتنع وامنع نفسي ورغبتي ..
للحظات يقنعه الشيطان فيها بأن ادنِ واقترب ..
لكنه تغلب على شيطانه وهو يتذكر العواقب لأقل فعل يرتكبه معاها ..
فتح الباب بصعوبة ومقاومه وخرج من السيارة وقفله بقوته كلها ..
تنهد وهو يمسد وجهه بيدينه ورفع نظره للسماء ..
اللهم اني قد مسني الضر فاكشفه عني ..
اللهم الهمني الصبر والقوة والعزيمة ..
وساعدني على شيطاني واغلبه بقوة ايماني .
رجعت اغراضها لشنطتها وهي مخنوقه من تصرفه وهروبه وترد الدموع لاتخسرها الجهد اللي بذلته في المكياج ..
التفت لها وهي تعدل غطاها وركب السيارة قالت بسرعه : عماد فيك شي ..؟
سكت ثواني ورد ببرود : رجولي تكسرت من السيارة قلت امشي شوي على بال ماتخلصين .
حرك سيارته من جديد وهو بعالمه وهي بعالمها وكلهم يجمعهم نفس الألم ..
خلال نص ساعه من الصمت والتفكير المضني وصلوا لجده ولبيت اهلها تحديداً ..



***

في المدرسة ..
دخلت نوير على عزة اللي تشرح لصف سادس حصة انجليزي ..
قالت : عزة تعالي ابغاك لو سمحتي .
عدلت عزة نظارتها السميكه على عيونها قالت بهدوء وصوت واطي رقيق كالعاده : خير نوير فيه شي .
: وش فيها شادن .. وش قلتي لها ..؟
هزت عزة اكتافها قالت : ماقلت لها شي ..!
: متأكده .. البنت راحت من عندنا تضحك ومبسوطه واول ما كلمتك طاحت ودمعتها ماجفت .
تخربطت عزة وهي تتذكر كلمة شادن لها .. ( ماابغى احد يعرف )
قالت : ماادري اصلاً من يوم جات ووجهها مخطوف .
صرت نوير عيونها لأنها ماتحب اسلوب عزة المنغلق واللي ابداً ماتتعامل بوضوح معاهم قالت : ياربي منك محد ياخذ منك شي ...
قطعت كلامها على صوت نوف اللي وصلها وهي تقول : نوير ليه تاركه فصلتس للحين مايكفي اني سمحت لتس تطلعين مع هالمدلعه .
طالعت عزة بنوير اللي مااستغربت طريقة نوف وكلامها عن شادن ..
قالت ارجعي لفصلتس يانوير ورجاءً بلغي شادن انها تجي بكرة وتجيب لي تقرير طبي ..
قاطعتها نوير بحقد : ياقلبي شادن وديتها للبيت وبغى يموت رجلها يوم شافها تعبانه .. ابتسمت وكملت بمكر : تصدقين ياعزة انه حتى مااهتم لوجودي وبغى يشيلها من كثر الخوف عليها .. ماشاء الله ماشاء الله عسى الله لايضرهم ويستر عليهم ويكفيهم شر الحاقدين . وانتي يانوف لاتهتمين بيجيب لها تقرير واجازة اسبوع على الاقل .
آخر شي تتمنى تسمعه ..
بهت لونها وبردت اطرافها وارتعشت شفتها وهي تتخبط ماتدري وش تقول : مالي شغل تجيب تقرير يعني تجيب . هذي قرارات وزارة موب لعب .. انا مالي شغل بلغوها .
اشفقت عليها نوير من حالها اللي تدري به اكثر من غيرها قالت : يانوف مية مرة قلت لك لاتحطين راسك براس زوجة عماد .
قاطعتهم عزة وهي تطالع في ساعتها وماعجبها الكلام والنغز وطريقة كلام نوف ورد نوير
قالت : عن اذنكم وراي درس طويل والحصة ضاعت عليّ .
طالعت نوف في ساعتها قالت : عجلي انتي بعد الحقي الحصة لاتضيع عليتس واتركي شغل المحاماة عنتس .
اعطت نوير ظهرها وهي تحث خطاها للادارة مكانها اللي ممكن تلوذ به عن عيون الطالبات والمدرسات ان نزل من عينها دمعه ولا تغير شي في ملامحها لسيرة عماد وحبه لشادن ..



***


وقف قدام البيت قال بمرح : ها تعرفين البيت هذا ..
انشرح صدرها وهي تشوف البيت وسيارة نايف اللي عرفت انها مع فهد من ايام رمضان ..
قالت بعفوية : اكيد اعرفه . . ياربي قد ايش وحشني .
فتحت الباب ورجعت سكرت وهي تلف بجسمها ناحيته قالت : ليه ماتنزل ..؟
: ها ايه .. يالله .. يالله نازل .
نزلت وخرجت مفتاحها من شنطتها وفتحت البوابه الخارجيه وناداها بصوت واطي : شادن .
وقفت خطواتها السريعه لداخل البيت والتفتت عليه قالت : الحين اقول لنايف يجيك .
: تعالي تعالي .. ترى فهد قدامك لاتدخلين .
: اووه صحيح .. مسرعه يجي مو كان عندنا الصباح .
قال وهو يرجع نظارته السودا لجيبه : فهد الله يهديه ويصلحه .. زفر وقال بينه وبين نفسه : هذا اول يوم مشى وترك شغله وماقدر يصبر لنهاية الدوام .
قالت شادن : طيب بدخل انا عند امي وانت روح لقسم الرجال .
رد عليها وهو يمشي معاها ناحية قسم الحريم : انا ماني جالس بسلم على امك وامر على العيال وامشي وراي مليون شغله .
هزت راسها بقهر وقالت وهي تفتح غطاها وتدق الباب الداخلي لقسم الحريم قالت : خلني اشوف اخاف فيه احد من جيراننا عند امي .
دخلت خطوتين وشافت امها في وجهها ..
ووقف كل الكون بلحظات ..
تأجج الشوق وانهارت حصون الصبر ..
ماقدرت امها ترد دمعة اللهفه ..
وتركت لها المجال تعبر
وفتحت يدينها تضمها لقلبها قبل قفصها الصدري ..
والثانية ماقصرت رمت نفسها في حضنها وشهقاتها متواصله ..
وكل هذا على مرأى ومسمع من عماد اللي انكسر قلبه على المشهد ..
العروس رجعت تزور اهلها ..
بأي قلب وأي جسد ..
على عكس العرايس والبنات ..
اللي يرجعون بجسد غير قلب يرفل بالسعاده والهموم ..
اما هي ...!!
الجسد مثل ماهو والقلب محمل بالهموم . .
وام العروس تنتظر تقرا الفرحه في عيونها بعد اللقاء ..
ياخيبت ياام العروس ..
العروس عادت محملة بالخيبة والحزن ..
حضنتها امها وربتت على كتفها قالت وهي تمسح دموعها وتبتسم بحرج من عماد الواقف بعيد ويحاول يصد ولا ينزل نظره عنهم حتى مايحرجهم ..
: شادن فضحتينا في زوجك خليني اسلم عليه .
رفعت جسدها من حضن امها ودخلت للصاله تكمل البكا اللي ماوقف من الصباح ..
سلم عماد على ام نايف بحذر وحيا ..
وبعد السؤال عن الحال والاخبار
قالت : تفضل من هنا للمجلس ترى نايف ينتظرك .
فك شماغه ونسفه من جديد وهو يقول : ايه بمر عليهم وامشي ..
حاولت ام نايف فيه انه يجلس بس مارضى ووعدها انه يمر عليهم بعد مايكمل شغله وبينهم تلفون ..
دخل على فهد ونايف اللي فز وهو يرحب ويهلي ..
: هلا والله حيا الله ابو مشعل .. يامرحبا ومسهلا ..
: الله يبقيك ويطول بعمرك ..
قال فهد باسلوبه الساخر اللي لازال طبع فيه : هذا خويك اللي تنتظره دخلته حرمته .. انا اشهد ان الحنان مجتمع في الطرفين .
لكزه عماد برجله في ساقه اللي يغطيها بنطلونه الابيض قال : انت يوم انك قاعد هنا وتارك شغلك .. وشو له توظف ..؟
رد فهد : هذا والله اللي بينشب لي .. اقول يانايف وش رايك تمسك مكاني عند عماد وانا امسك شغلك ..
قال عماد قبل يرد نايف : شغله وشو اللي تمسكه عنه .
سحب فهد مسبحة عماد من يده بحركه عفوية وقال : هذا ياطويل العمر الشيخ نايف بيتخرج الترم هذا .. وابو خويه ابراهيم عنده شركة كبيرة وعده بالوظيفه اول مايتخرج واول مربوط سته الاف ريال ..
رفع عماد حاجبه قال : نايف وانا اخوك وظيفتك عندي .
ابتسم نايف وهو يمد فنجال القهوة على عماد : الله يسلمك ياابو مشعل ادري انك ماراح تقصر معاي ...
قاطعه عماد : اترك عنك المجاملات ومن بكرة لو تبي حتى قبل ماتتخرج ابيك في مكتبك .. رشف من فنجاله وكمل : بس احذرك من الحين فهد ابعده عنك ولاتحتك فيه يخربك .
ضحك فهد من جدية عماد الصارمه قال : لاوالله يانايف اذا تبي نصيحتي هج وانا اخوك ترى عماد ماعنده يمه ارحميني في الشغل اذا انا اول يوم هاوشني وش بيسوي بي بعد كذا .
ضحك نايف من اسلوب فهد وماعلق على كلام عماد ..
قال : بالله يافهد قهو ابو مشعل بروح اسلم على اختي كأني ماشفتها لي عشر سنين .
وقف عماد وسحب مسبحته من يد فهد قال : انا ماشي بس علم الشغاله تاخذ اغراض شادن بنزلها داخل الحوش .
حاول نايف يثنيه عن رايه لكن عماد كان عازم انه يروح للشركه ويشوف وضعها قبل ماتقفل ويغادرها الموظفين ..

طلع من المجلس ونايف بالمثل وكل واحد له وجهه عكس الثاني ..
اول ماشافها في حضن امها تبكي وتمسح دموعها اللي للحين محد عرف سرها وسببها ..
قال : افا .. الحنفيه هذي ماتنضب ولاتجف .
وقفت عنده وضربته على صدره بخفيف وضمها بقوة وهي تقول : وحشتني يادب .. اشتقت لك وانت ماتقدر تكلف على نفسك مشوار تجي تشوفني .
: سلم على راسها وهو محوطها بيدينه وضامها لصدره وكأنها بنته مو اخته الاكبر منه..
قال : بغينا نجيك والله في العيد بس اللي صار ...
قطع كلامه وهو يطالع في امه اللي تحذره بإشارة من اصبعها وعيونها ..
رفعت راسها وبعدت شوي عنه قالت : صاير شي ..؟
: اقصد اللي صار لفهد وتعبه بعدين .. مادريتي انا اعتمرنا وامي جلست ثلاثه ايام ماتقدر تمشي من رجولها .. شكل الشغالة خربتها .. الا صحيح ماباركتي لها على الشغاله .. ولا عشان انتي اللي جبتيها ماتقولين مبروك ..
ضحكت من بين دموعها وهي تقول : شوي شوي يادب كل هذي طاقة كلاميه .. اكيد انك فقدتني وماعندك احد تسولف معاه .
: فقدتك .. ايه والله فقدتك .. بس الطاقه الكلاميه هذي عندي من خلقني ربي بس شكلك نسيتيني ..
مسحت دموعها قالت : عماد مشى ..؟
: ايه مشى .. نادى بصوت عالي على الشغاله : ياساندي ..
طلعت الشغاله راسها مع باب المطبخ قال : روحي جيبي الاغراض اللي في السور .
والتفت لشادن يسألها عن حالها واحوالها ..
قال : وجهك ليه كذا مورم .. لايكون زعلانه من عماد ولا سامعه شي ..؟
قالت بابتسامه حانية لاخوها : لاياعمري عماد مافيه منه بس عشان كنت مشتاقة لكم .
طالعت امه فيه قالت : نايف بتسوي غدا لاختك ولا تخليه عشا .
رد نايف وهو يمسح على شعره ويخلله بأصابعه لورى قال : والله ماادري خلينا نخليه عشا عشان عماد يجي اذا هو الحين مشغول .
: زين شورك وهداية الله .
طالع نايف بامه بعيون مليانه كلام واسئلة قالت امه اللي فهمت عليه : نايف يمه روح لولد عمك لاتتركه يجلس لوحده .
قالت شادن : نايف لحظة . فيه شي احس عندك كلام ماتبغى تقوله لي .
رفع نايف يده يعني سلام وهو يطلع من الصاله ويدخل من باب قسم الرجال وتارك لامه المهمه ..






***



دخل الشركه بدون علم موظفيها الا فايز اللي اعتاد على دخول عماد المفاجيء على الموظفين .. مر على المكاتب واحد ورى الثاني وعلى الموظفين اللي تعاملهم معاه نادر جداً لأن فايز غالباً يحل محله ..
محد كان متوقع دخوله بوقت متأخر مثل بعد الظهر واللي ياكل واللي يدخن واللي جالس يسولف مع خويه
دخل مكتب عصام وهيثم الثنائي الكسول والغير مبالي بالعمل ..
وهيثم يدخن وعصام يلعب في جواله كالعاده ..
قال: الحقوني ثنيناتكم بالفايلات كلها اللي عندكم .
فز عصام من مكانه وهيثم جامد بمحله وزقارته في فمه بلا حراك او حتى نفس ..
رجع عماد ماانتظر منهم اجابة او تعبير ودخل لمكتب فايز اللي رحب فيه : هلا طال عمرك تفضل .. كان ريحت نفسك وانتظرت لبكرة .
جلس عماد على الكرسي حق فايز وهو يقول : ماتفرق يافايز اليوم ولا بكرة كله واحد .. المهم عندك موظفين هيثم وعصام عطهم انذار اخير وان ماانضبطوا قرر فصلهم فوراً ماني مستعد اتحمل لامبالاتهم في العمل على حساب الشركه ومصالحها .. غيرهم يدور الشغل أكفأ وانشط .
رد فايز : ابشر باللي تبي طال عمرك .. انا قبل شهر محذرهم وشكله ماجاب نتيجه ..
دق اياد السكرتير الباب ودخل ومعاه فايل قال : استاز عماد عصام وهيثم ..
قاطعه عماد : خلهم يدخلون .
دخلوا وماتكلم لهم ووجه الكلام لفايز : شوف شغلك يافايز وحط في بالك ان أي مستهتر في العمل مكانه مو عندي في الشركه .
وقف وهو يشوف جواله يدق واسم فهد على الشاشه ..
رد عليه وتوجه لمكتبه الفخم في آخر الممر ..
: هلا يافهد .
وصله صوت فهد العالي وهو يقول : هلا بك ياابو مشعل انت وين انت ..؟
: في الشركه ..!
: ماتقدر تطلع ..؟
: ليش تبي شي ..؟
: لا انا ماابي غير سلامتك بس مرتك الظاهر انها درت عن زميلاتها وطاحت على اهلها .
جمدت ملامح عماد .. واخذ نفس عميق وتهاوى على كرسيه الاسود الكبير قال : كنت متوقع والله .. الا انت وينك ..؟ عندهم ..؟
: ايه في البيت ونايف اخذ اخته وداها للمستشفى .
فز عماد قال : المستشفى ليش ..؟
رد فهد بحده : اقول لك الحرمه طاحت عليهم واخوها وامها ماتحملوا ودوها للمستشفى على طول .
رد عماد بسرعه وهو يقاطعه : زين زين انا اشوف وش صار مع السلامه .
قفل بسرعه ودور رقم نايف ودق عليه بس نايف خذله ومارد عليه ..
دق مرة ثانية وثالثه وأخيراً رد نايف : هلا عماد .
: نايف وشلون شادن الحين ..؟
: الدكتور عندها وبيسوون لها تحليل حمل مدري وشو .
رد عماد بأمر وهو يعض على اسنانه : لايسوون لها شي لين اجيك .. البنت تعبانه من الصبح مااكلت شي .. لاتخليهم ياخذوون منها دم ..
: بس الدكتورة تقول ...
قاطعه عماد بصوت عالي : ناايف قلت لك لاتخليهم يسوون لها شي لين اجي انت بأي مستشفى .
قال له نايف على اسم المستشفى القريب من بيتهم وطلع عماد بسرعه بعد مامر على فايز وقال انه مضطر يطلع ..
ياقلبها المسكين ..!
وشلون تتحمل ..!
القسوة ولا الجفا
ولا فراق احبابها ..
شد على المقود بيدينه حتى ابيضت مفاصل اصابعه من كثرة التوتر ونفث بأوووف من اعماقه ..
ياطول الطريق رغم ان المسافه اقل من ساعه الا انه حس انها صارت الضعف ..
اخيراً وصل ونايف والدكتورة في نقاش حامي ..
الدكتورة مابين المكسب المادي اللي راح تضيفه للمستشفى الخاص اللي تنتمي لها ومابين المريضه اللي تحتاج علاج ومهديء ولابد تتأكد اذا حامل او لا .
وقف عند نايف اللي استقبله على طول قال : عندك ياابو مشعل تفاهم معاها .
رد عماد عليه من دون مايطالع في الدكتورة : شادن وينها .
اشر له نايف على غرفة مقابلة له قال : في الغرفه هذي .. امي تقول صحت بس تبكي ومنهارة .
دخل عليها وشافها جالسه على السرير وشعرها ووجها كله مويه بفعل امها وهي تحاول تصحيها ..
مثنية ركبها ودافنه وجهها بينها ..
قرب منها وجلس بجنبها قال : شادن ارحمي نفسك ترى اللي تسوينه مايصير .
هزت راسها من دون ماترد لأن مافيه كلام ولا فيها طاقه على التحمل ولا قدرة على الاحتمال .
مسح على راسها وامها تراقب بصمت قال : قومي معاي بوديك لصديقتك ترى ابوها كلمته اليوم ويقول ان عندها انهيار عصبي وتحتاج من يوقف معاها .
رفعت له راسها وشكلها يرثى لها ..
الدموع من قوة الصدمة اختفت .
والصوت من كثر البكا انجرح ..
والجفون مقرحه ..
القلب شُج بخبر الفقد ومصاب سارة ..
وانا من يوقف معاي ياعماد ..
انا ابي احد يسندني ويساندني ..
انت تموت وسارة تضيع والموت غيب ناس اعرفهم واحبهم حتى لو اني ماعرفتهم الا فترة قليله الا اني حبيتهم ..
قال بصوته الرجولي والآمر والحاني بنفس الوقت : يالله البسي خلينا نروح لزميلتك تطمني عليها واجلسي عندها على كيفك .
غمضت عيونها وهو يقول : انا من يوم عرفتك وانتي قوية .. يالله عاد المفروض تفرحين ان صديقتك بتقوم بالسلامه وماعندها الا كسور بسيطه ومع الوقت بتتعافى .
مسكها من معصمها ونزلها وهو يطالع بامها : عمتي لبسيها طرحتها وغطاها وانا اللي باخذها للبيت . قرب من وجهها وحدق فيه وكمل بحنان واضح : ولاتبين تروحين الحين لصديقتك .
هزت راسها وهي تقول : بروح لساره الحين .. ورفعت راسها وكملت بصوتها المبحوح : بس انت روح ارتاح في البيت خل نايف يوديني .
: امشي بس انا ارتاح اذا شفتك طيبه .
كلامه على انه الشفا الا انه السكين اللي ينهش بها جروحها ..
آهـ لوتدري ياعماد وش كثر قلبي يشيل ..
صدمتين وفي يوم واحد مؤلمة ..
انت وسارة ..
اغلى من سكن قلبي ..
طالعت في وجهه والتعب باين عليه قالت : خلاص انا برجع للبيت وبعد العصر اروح لسارة .
رد عليها : اكيد ماتبين تروحين لها الحين .
: اكيد بس انت تعال ارتاح عندنا في البيت .
طالع في ساعته اللي شارفت على 3 العصر وزم شفايفه قال : لاوالله مااقدر لكن المغرب امر عليك وآخذك للمستشفى .
دخل نايف قال عماد : وصلهم للبيت وشوي انا اجي اوديها للمستشفى .
حاول نايف فيه انه يرجع معاه للبيت بس اعتذر عماد بالشغل وانه مواعد رجال على الغدا .
وطلع من المستشفى بعد ماراح نايف وامه وشادن معاه ..


***

في الاجواد ..
جالسه على سجادتها تسبح وتهلل والوحده طاغية على البيت ..
والصمت مايقطعه الا صوت راديوها الخافت على برنامج فتاوي دينيه بإذاعة القرآن الكريم اللي ماحادت عنها موجة الرديو من يوم دخل بيتها ..
وصلها صوت شهد وفيصل وفوزية وهي تقول : لاتخربين على الناس اذا بتدخلين دراجتك العبي عند الباب لاتقربين من السجاد ..
دخلت غرفة امها وسلمت وجلست قالت : يمه شادن وشلونها شهد تقول ان العنود شافتها وهي تبكي في المدرسة . وعماد يقول مافيها شي بس مشتاقه لامها .
طفت ام ناصر راديوها واستغفرت ربها قالت : ايه الضعيفه علمتها زميلتها انها كلمت امها وتنشد عنها ثم صبحها ابليس .
وقفت فوزية قالت : ياقلبي عليها .. الله يهديك ياعماد كم لي وانا اقول له ودها امها وهو يقول بيجون وانا عازمهم .. هذي النتيجه ..
طالعت في الباب وتأملت المكان وكملت : بس والله ان مكانها خالي في البيت الله يردها بالسلامه ..
تنهدت ام ناصر وعقبت : ايه والله ماليةٍ البيت عليّ . .. الله يرضى عليها هي ورجلها .
دق الجرس وقامت فوزية تشوف من ورجعت وناصر اخوها وراها .
سلم على امه وجلس بجنبها قالت فوزية : ابو فهد صدق اللي قاله لي عماد .
رد ناصر برزانه : وعماد عمره كذب .. كل اللي يقوله صدق .
: اصبر اعرف وش قال ثم تكلم .
: وش قال ..؟
: يقول ان فهد توظف عنده وانه مشى اليوم لجده ..
قاطعتها ام ناصر : عماد وين جاتس وعلمتس بعلوم شادن وفهد ..؟
عقدت فوزية حواجبها بعدم رضا قالت : صبحني الساعه 8 وصحاني من عز نومي يقول لاتخلين جدتي تجلس لحالها .. وعلمني انه بيودي شادن لاهلها وعلمني عن فهد ..
طالعت في ناصر قالت : والله ياناصر ان من فرحتي ماقدرت اكمل نومي .. الله يهديه ويثبته .
قالت ام ناصر : فهد رجال وماعليه كلام ماعاد ينقصه غير المرة السنعه .
تكلم ناصر بحيرة قال : وش اسوي به يايمه كل ماجبت له طاري العرس قال الله لايقوله .
ضحكت ام ناصر وقالت : اليوم قلت له ابي اخطب لك من بنات لافي ثم انحاش لجده .
ضحك ناصر قال : انا قايل لتس .. مايبي العرس ولاودي اغصبه .
اخذت فوزية صينية القهوة من الشغاله اللي وقفت على الباب وجلست . .
قالت وهي تصب لاخوها فنجال قهوة : شوف عماد بعد ماغصبته امي على العرس .. ماشاء الله عليه مبسوط ومستانس .
رد ناصر بعد مارشف من فنجاله قال : والله ياحال عماد مهب معجبني .. ولا حرمته مااسنع منها بس اني كل مااشوف وجهه اقول فيه شي ولا مهب مرتاح .
هزت ام ناصر راسها قالت : اشوف بعيني ياناصر مير الله يهديه .
تكلمت فوزية وهي تبعد عماد عن محور الحديث : ياناصر لاتسكت عن فهد تراه بيدخل الـ 29 وهو لاحرمة ولا ولد . حتى بندر حلف مايتزوج قبله . على كذا عيالك بيجلسون لازواج ولا ذريه .
تنهد ناصر وقال : والله ياام فيصل هذا اللي هامني .. فهد ليا قلت عثرت اخوانك قال خلهم يعرسون ولحد يفكر فيني .. ولا بندر الله يرضى عليه مايردني في طلب الا انه حلف مايعرس قبل فهد .. وامه خطبت له من بنات نورة ..
قاطعته فوزية : بنات نورة متكلمين عيال عمهن وخطبوهن .
شرب بقية فنجاله ومده عليها وهو يقول : لا ريماس عيّت عن ولد عمها وبندر يبيها ونورة بعد تبي بندر ياخذها .. المهم ان الحريم متفقات .
قالت ام ناصر : الله يكتب اللي فيه خير .. ريماس وايناس كلهن سنعات وبندر رجالٍ (ن ) ينشري . اما فهد شاوره على بنات لافي ولاتسكت عنه .
قالت فوزية مقاطعه وباندفاع : الله لايقوله مانبي بنات لافي ولاقربهن .
التفت ناصر على فوزية قال : انتي وش تقولين وش فيه لافي رجال والنعم ثم بناته ماقد سمعنا عنهن الا كل خير سنعات وامهن سنعه .
: نوف هذي اكرهها ماتنطاق وشادن دايماً تقول لي انها ماتطيقها ولاتكلمها الا من طرف خشمها .
ردت ام ناصر بحكمه : هيِّن هذي الغيرة وماتسوي .. . وبكرة ليا انخطبت واعرست تنسى شادن ولاعاد تعرض لها .
مسد ناصر لحيته وهو يفكر قال : شورتس وهداية الله يالغاليه . بكلم فهد واللي فيه خير يكتبه ربي .
كملوا جلستهم والحوار ماابتعد عن العايلة ..
من فهد لعماد لـ احمد المبتعد بحكم عمله .. وراح يجي بعد ايام ..


***

بعد مغرب يوم صدمات عمرها ..
دق عليه نايف ومارد وعرفت شادن انه نايم ..
قالت وهي تلبس عبايتها : نايف خلاص لاتدق عليه .. انت ودني للمستشفى .
: زين يالله امشي خليني بس اكلم فهد اشوف وينه .
غطت وجهها واخذت شنطتها اللي فيها الورقة اللي قلبت لها حياتها بأخبارها الشينه ونايف يكلم فهد ويلح عليه انه يجي يسكن عندهم بس فهد رفض وفضل انه يسكن في شقة عماد ويمر عليه بين فترة والثانية حتى مايسبب لهم احراج ويثقل عليهم ..
قفل منه ومشى مع شادن اللي فضلت انها تقابل سارة لوحدها ولها من الروحه لوحدها مآرب اخرى ..
طول الطريق ساكته وتهز رجلها اليمين بعصبيه وقلق ..
قال نايف وهو يطالع في المرايه والسيارات اللي وراه ..
: ايوه ماقلتي لي وش سالفة البكا اليوم والمناحه ..
طالعت فيه وهي على هزها لرجلها ماوقفت : ماتدري يعني ...
قاطعها : لا لا لا قبل سالفة سارة .
: ايه كنت مشتاقة لكم .
هدى السرعه ووقف للإشارة قال : وتحسبين انك بتقنعيني بكلامك هذا .. قولي لي انا نايف اخوك ولانسيتي .
تنهدت وهدت حركة رجلها وهي تراقب الاشارة الحمراء قالت : ادري انك اخوي عزي وسندي .. بس تأكد ان اختك مافيها غير اللي قالته لك ..
التفتت عليه وكملت بلهجة حانية : صدقني يانايف لو احد قهرني ولا ضايقني انت اول شخص راح الجأ له .. ولا نسيت ايام صالح الله لايعيده .
: الله لايذكره بالخير فاقده الايام هذي ..
: اووف ماتدري اش صار له ..؟
: لا ماادري .
: عماد يقول انسجن وحكم عليه ب15 سنه ..
انذهل نايف من كلام شادن وسردها للمعلومات اللي قالها لها عماد وهي تحاول جاهدة تبعده عن السؤال اللي مااقنعته اجابته ..
وصلوا للمستشفى ونزلت خطوة تقدمها لهفة لسارة ..
وخطوة تردها رفض لشوفها بحال مايسر ..
عزمت وتوكلت على ربها وكملت مشوارها بصعوبه لحد مادخلت الغرفه ..
سلمت على ام مشاري اللي ماتفارق سارة لا ليل ولا نهار الا اذا ام نايف الام الثانية لساره حلت محلها ..
اول ماشافتها ام مشاري بكت ..
بكت لأن شادن رفيقة بنتها واعتادت على شوفتهم مع بعض ..
وبكت لأن سارة ماهي بالدنيا ..
مغمضة عيونها والصمت ملتحفها وملتحفته
لسانها اعتاد التأوه ولا شيء غير التأوه ..
اما الجسد فمايهتز الا اذا حركه الألم اللي يسري في عظامها المكسورة ..!
همست امها : كيفك ياشادن ..؟
ردت شادن ونظراتها تايهه في جسد سارة وملامح وجهها الغاضب وتعبيراته الشاكيه قالت : انا بخير ياخالتي بس سارة اش يقول الدكتور عنها .
نزلت من سارة دمعه حارة وصلت لعنقها وشهقت وهي تسمع صوت شادن يوصل لعمق قلبها ..
مالت شادن عليها وباست جبينها وعيونها وخدودها ووجهها اللي الضمادات مغطية منه اجزاء كثيرة . وهي تنتحب عند راسها قالت من بين دموعها اللي انحبست من الظهر ودوبها بدت تنجرف في سيل عارم ..
: سارة .. سارة عمري .. ساااااارة انا شاادن قومي طالعيني ..
لاحياة لمن تنادي ..
الدمع هو خير تعبير ..
طالعت في ام مشاري قالت : خالتي تقدرين ترجعين للبيت وانا بجلس اليوم معاها .
قالت ام مشاري : لايابنتي انتي جاية من سفر .. خليه بكرة ترافقين معاها واليوم ارتاحي .
مسكت يدها الصاحية وضمت على كف سارة بقوة وهمست لها : سارة لازم تقومين عشاني .. انا محتاجتك ماابغى اخسرك تكفين بكرة ابغاك تكونين صاحية عشاني .
مافهمت ام مشاري من همهمة شادن شي بس شافت سارة وهي تاخذ نفس عميق بدون رد .. وطلعت وتركتهم مع بعض ..
اخذت شادن يد سارة وحطتها على خدها وهي تقول ببكا : قومي ياسارة محد خالي هم انا كمان عندي مشاكل بالهبل .. ابغاك توقفين معاي مو تهربين .. كلنا فقدنا البنات .. اهم شي انك انتي عايشه وصاحيه ..
هزت يدها بهدوء وكملت : سارة لو ماصحيتي عشاني بضيع .. تدرين حياتي مع عماد على كف عفريت .. يمكن ارجع بكرة مطلقه لأنا نعيش ظروف صعبه .. ساااارة ..... وانتحبت من قلب ..
حست بأصابع سارة تضم على يدها بضعف وعلى طول باست اصابعها وحطت يدها على خدودها حتى تتحسس دموعها وتمسحها ..
ماعبرت سارة الا بالدموع والبكا .. وجفونها ضامتها على بعض ..
دخلت الممرضه وشافت حالة سارة وشادن وطلبت من شادن تخرج لأن حالة المريضة ماتسمح بأي انفعالات .. وحقنتها بمكسن نامت بعده سارة وطلعت شادن لام مشاري ..
قالت : خالتي سارة تعبانه بس خلاص صدقيني بتصحى انا اعرف سارة ..
مسكتها ام مشاري قالت : شادن يمه وش فيك ليه حالك كذا ..؟
شهقت شادن قالت : مافيني شي ياخالتي اليوم عرفت عن سارة وانصدمت .
ربتت ام مشاري على شادن اللي ردت على جوالها وعلى نايف وهو يقول : بتأخر عليك نص ساعه ..
قفلت منه وهي تمشي تودع خالتها ومتوجهه لقسم ثاني في المستشفى ..
كانت ناويته من اول ماطلعت من بيت اهلها ..


***


في شقة عماد ..
الساعه سبعه صباحاً ..
نايم بعمق في مجلس الرجال البارد بفعل التكييف اللي ماينطفي في اجواء جده سواء فصلها صيف او شتاء ..
دخل عليه عماد وطفى زر المكيف قال : فهد .. فهد يالله امش للشركه انا عندي اجتماع في ينبع بسرعه امسك مفتاح مكتبي وخلك مكاني . .... فز يا فهد ..
ماتحرك فهد ولكزه عماد في رجله قال : يالله قوم خلنا نشوف مصالحنا ..
قوم انا من الاسبوع الجاي بخليك تمسك الفرع الثاني وانت ذابحك النوم .. فهد .. فهد ..
رفع اللحاف عن وجهه وهو ينفث قال بمرار : قومتني من حلم انتظره لي اكثر من شهرين .
شهرين معناتها سعود في الموضوع ..
قال عماد بصوت هادي وهو يشوف فهد يفرك وجهه وشعره قال : قوم قوم ياابن الحلال وتعوذ من ابليس ..
سكت فهد وهو يتذكر الحلم ..
كان هو وسعود في رحلة للبر .. وشاف سعود يمشي معطيه ظهره وهو يناديه ومارد عليه ..
ناداه اكثر من مرة بس سعود ماشي في طريقه ومارد عليه ..
شاف حمامه بيضا جريحه وتنزف طايحه على طريق سعود
وراح اخذها والتفت له سعود وابتسم برضا ورجع يكمل طريقه ..
وسط دهشة فهد اللي تمسك بالحمامه وضم عليها ..!
قطع عليه صوت عماد وهو يقول : فهد وانا اخوك لاتخلي التفكير ينهيك .. قوم وشوف مستقبلك وانسى اللي راح باللي فيه .
زفر بآهه قال : وشلون انسى ياابو مشعل .. علمني وشلون انسى وهو معي من يوم اقوم من نومي لين انام ..
ثنى عماد ركبه وجلس قريب منه وربت على صدره قال : خابرك الرجال القوي اللي ترمي همك ورى ظهرك ولاتلتفت له .
ابتسم بوجع قال : وسعود همٍ عادي .. آآآآآآآه ياسعووود .. .. هبد على صدره بقبضة يده وهو يجلس ويقول بصوت خارج من اضلاعه : ياقطع قلبي عليك ياسعود .
سكت عماد وهو يشوف عيون فهد زاد احمرارها وماحب انه يجادله او يناقشه ويفتح باب الحزن اكثر من كذا
قال فهد بهدوء وبرود : انت متى بترجع ..؟
: ماادري والله اليوم بكرة بعده .. على حسب متى نتفق ..
هز راسه فهد قال : دق على نايف تراه البارح دق عليك وحصل جوالك مقفل .
: وش يبي ..؟ ماتدري ..؟
: لاوالله بس يقول ان شادن رجعت من المستشفى منهارة اكثر منها يوم راحت .
قال عماد بحيرة : ياخي البنت هذي حساسه مدري وش سالفتها ..
تمطط فهد ورمى البطانية عنه ووقف قال : تراه يقول انها اخذت ابرة الظاهر انها مهدئة بس ماسوت لها شي طول ليلها تبكي ومقفلة على نفسها باب غرفتها .
عقد عماد حواجبه قال : ابرة ..؟
: دق على نايف واسأله ..
طلع من عنده ودخل الحمام وعماد محتار ومستغرب من تصرفاتها من امس موطبيعيه .. زفر بلاحول ولاقوة الا بالله ..
ووقف اخذ شنطته واغراضه اللي تلزمه ونادى فهد قال : ترى مفتاح مكتبي على الطاولة .. احرص عليه ولاتوقع أي ورقه الا اذا قلت لي .. يالله انا ماشي تبي شي ..
طلع فهد من الحمام وهو ينشف وجهه قال : ابي سلامتك .. توكل على الله بس وازهل الشغل ولا تشيل همه وبيننا تلفون ان شاء الله .
طلع عماد وهو يقول : اشوفك على خير .
: بامان الله ..
نزل مع المصعد وهو يفكر فيها ..
يمرها ولا يمشي ويكتفي بمكالمتها ..
وش سالفة الابرة اللي اخذتها ووش سالفة البكا والانهيارات اللي من امس ..
تنهد وهو يتخيلها تشكي لامها منه ..
بس تذكر كلامها له في المستشفى يوم جاها وهي تحنن عليه وتقول روح ارتاح وتنفس بارتياح ..
مهوب وقت مشاكل الحين ياشادن .
اصبري بس لين نفتك من كلام الناس ثم احررك من قيدي اللي ماراح تجنين من وراه الا التعب ..
فتح المصعد وتوجه لموقف سيارته ..
وركبها وتوجه لطريقه اللي نواه من بدري .. وهو متكل على الله ومفوضه كل اموره ..



***



مرت الأيام وهي على حالها في المستشفى ..
بعد ثلاثه ايام كانت شادن تجيها فيها..
تكلمها وتلومها وتعاتبها وتنصحها وتبكي عندها وتشكي لها ..
الحياة بالنسبة لها مملة ومافيها شي يحفز على العودة ..
اليوم شادن ماجاتها ..
تحب كلامها وترتاح له ..
هو الشي الوحيد اللي يحسسها بأهميتها ..
خاصة لمن تقول انا محتاجتك قومي عشاني ..
خافت لايصير لشادن نفس اللي صار لها ..
كلمة مطلقة كان وقعها عليها هائل ..
مخيف ومرعب للمرأة ..
اياً كان السبب ..!!!
تحس نفسها ناقصه وكلها عيوب ..
حتى لو ماغلطت وحتى لو هي اللي طلبت الطلاق
بس اسم مطلقه ثقيل ويتعب الكاهل ..
الا شادن ماتستاهل تشيله ..
بس ليه يطلقها وهي مافيه منها
جمال وأخلاق وقوة وطيبة وراعية بيت وحنونة ...
وكأن الوقت يقول عجلي ياتلحقينها ولا تراها بتلحقك وتصير مثلك ..
فتحت عينها على امها اللي خفضت صوت المسجل وهي تشوفها تحرك عيونها في انحاء الغرفه ..
قالت : يمه .
ردت امها بلهفه : ياقلب امك .. ياعمر امك .. اش فيك ياقلبي ..؟ الحمد لله على السلامه ..
كان الكلام يخرج فرح وبدون تنظيم او تنسيق او حتى تفكير .
قالت بوهن : يمه شادن .. وسكتت .
ردت امها وهي تضم على يدها : الحين نتصل عليها وتجي .
مرت نص ساعه وكانت شادن تجري في ممر المستشفى اللي يوصل لغرفة سارة ودخلت ..
شافتها مسنده بظهرها على مخده بيضا كبير ..
وتتأمل يدها المجبسة ..
شافت شادن لأول مرة من آخر لقاء كان بينهم يوم زواج شادن ..
صحيح ان شادن كل يوم عندها بس هي كانت مقفلة عيونها عن الدنيا بما فيها اهلها وشادن ..
حضنتها شادن وهي تحاول ماتقرب من يدها اللي اعتادت الجبس من شهر الا كم يوم ..
كانت الدموع تعبير طبيعي لهم لأنها اقوى وأقدر ..
دخلت ام نايف اللي سبقتها شادن وسلمت على سارة الباكيه
قالت : خلااااص مانبغى دموع .. ترى شادن ماقصرت والاسبوع هذا اعوذ بالله بكت بكا مابكته على ابوها الله يرحمه .. بكرة بتطلعين من المستشفى ولابد نحتفل بسلامتك . وعشاكم عليّ .
ردت ام مشاري وهي تمسح دمعتين الفرح اللي نزلت قالت : لاوالله عشاكم بكرة عندي ان شاء الله .
ضمت شادن على يد سارة قالت وهي تبتسم : يادبه زين انك صحيتي ورجعتي لي .. عشان اجلس معاك قبل ارجع لبيتي .
ابتسمت سارة بحزن وفي عيونها مية سؤال تتخيل اجابتها ماتسر عن شكل شادن الذبلان ..
لكنها فضلت السكوت وتأجيل الكلام لبعدين ..



***

ليلة اخرى ..!!
مرت عليها متعبه ..
فيها بكاء كثير ..
وفيها حزن مضني ..
وفيها بوح من طرف واحد ..
وصفت لها سارة الحادث وهي غرقانه في دموعها ..
وحكت لها كل كلمة قالوها البنات بالتفصيل وانهارت اكثر من مرة وهي تردد .. اميرة ياشادن ماتت وهي كانت تقول عيالي عيالي .. آآه بس .
مسحت دمعتها وهي تتمدد بسريرها وتتذكر حالة سارة المفجوعه ومنهارة ..
واللي فقدوا بناتهم ,,
وعيال اميرة ,, واهل فاطمه ,,
حتى ساميه اللي ماعرفتها الا من كلام سارة عنها اشفقت على اهلها وزوجها وترحمت عليها ..
ابعدت سيرة الحادث عن ذهنها وتفكيرها واستبدلتها بوجع آخر ..
ضمت المخده وهي تتذكر انه دق عليها اربع مرات على البيت يدورها وماقدرت تكلمه . .
تحججت انها تعبانه وسط شكوك امها اللي احتارت من دفاعها المستميت عنه اذا اتهموه انه سبب حالها وبكاها .. ودموعها اللي ماكفت من قبل ماتدري عن سارة وان هالدموع لابد ان لها سبب .
لأنها ببساطه خايفه تسمعه وتنهار ..
شدت على عضدها ومكان الابرة وآلمها ...!
الابرة اللي نصحها فيها الدكتور اللي راحت وسألته عن حالة عماد وورته ورقة التحليل وأثبت لها ان عنده فايروس كبدي وبائي والنوع بي .. والمشكله انه نشط مو خامل ..
رجعت بها الذاكرة لقبل ثلاثه ايام وتردد كلام الدكتور في مسامعها ..
الأعراض اللي كانت على عماد نفسها اللي قالها الدكتور ..
يرقان اصفرار الجلد والعيون مثل عيون عماد اللي احياناً صفرا اذا مو غالباً ..
فقدان الشهية وعماد غالباً مو مشتهي اكل ولايطلب الاكل الا اذ فوت وجبة وجبتين ..
ضعف عام وإعياء وتعبه الدايم وظهري انكسر من شي ولاشيء ..
غثيان وقيء وهذا صار طبع في عماد وكان يرجع اسبابه للقولون .
حمى ، صداع ، أو ألم في المفاصل وهذي غالباً ترافقه وماتفارقه ..
ألم في الجزء الأيمن العلوي من البطن وعادته اللي اعتادتها ويده اليمين اللي كأنها صارت تنجذب للمنطقه هذي لاارادياً .
مريض الكبدي مايتحمل الطعام الدسم والسجائر وعماد اول شي عرفته عنه انه ماياكل دسم ولايدخن ..

تذكرت كلام الدكتور وهو يحرص عليها تعامله عادي لأن الأدويه اللي ياخذها تسبب له اكتئاب واحساس بالاحباط مثل الانترفيرون ..
وهي يمكن اللي تزيد بعده عنها واحساسه ان اجله قريب وان ماله داعي يعيش سعيد واحلامه محطمه ومايفكر انه يبني لنفسه مستقبل واذا كافح فهو عشان الآخرين ..
بإمكانه يعيش زوج طبيعي اذا الزوجه اخذت التطعيمات الثلاث في فترة معينه ماراح يضرها شي بإذن الله ونسبة الاصابه ماتتجاوز 5 %
رجعت خصلتها المزعجه ورى اذنها وهي تتذكر كلامه عن التطعيمات وان مدتها طويلة .. مرتين خلال كل ثلاث شهور والثالثه بعد ستة شهور ..
دخلت عليها امها وهي تفكر بعيد قالت : شادن صاحيه ..؟
: ها ..؟ ايوه يمه تبغين شي ..؟
: لاوالله بس حبيبتي وشلون بتنامين بملابسك هذي ..
طالعت في لبسها تنورة سودا عاديه وتي شيرت اسود عادي لبسته على السريع لمن راحت لسارة ..
ومن المستشفى طلعت لبيت ابو مشاري معاها ولارجعت للبيت الا بعد مانامت وتطمنت عليها قالت لامها : الحين بقوم آخذ لي شور والبس بيجامه .
قالت امها بحنان : تدرين ان عماد بيجي الليلة من ينبع ..
فز قلبها من مكانه وقاطعتها قالت : بيجي هنا ..؟
ابتسمت امها على لهفة بنتها قالت : لا .. بيروح لشقته بس تراه دق على نايف وهو في مجلس ابو مشاري يسأل عنك .
ابتسمت بحب قالت : تسأل عليه العافيه ان شاء الله .
: طيب قومي تحممي عشان تنامين يمكن زوجك يجي بكرة واذا جا لازم تقابلينه .
هزت راسها بحاضر وقالت : نايف وين ..؟
ردت امها وهي تقوم وتتوجه للباب بتخرج : في شقة عماد يقول بجلس مع فهد لين عماد يجي .
قامت دخلت الحمام بعد ماطلعت امها واخذت لها شور سريع وكلام الدكتور السعودي الملتحي دين وتقوى يتردد في ذهنها ..
: انتي لازم تصمدي اكثر منه ابحثي ودوري على علاج لزوجك .. فيه ناس تعالجوا من المرض بقدرة الله والدعاء والصبر وقوة الايمان والمواجهه ..
طلعت من الحمام وهي لافه الروب على جسمها والمنشفه على شعرها قالت بصوت مسموع وهي تطالع في شكلها بالمرايه : واجهي حياتك ياشادن .. خليك عون له مو عليه .. المفروض اسعده على قد مااقدر مو اتهرب منه واحسسه اني عبء عليه واشيله همي ..
نشفت شعرها بسرعه واخذت المجفف وجففت شعرها بسرعه وجوالها في يدها وتدق على رقم نايف اللي رد عليها بسرعه : هلا ياشادن .
: هلا نايف فينك ..؟
: في شقة رجلتس ..
ضحكت شادن من لهجة نايف الغريبه عليها ..
حست ان فهد اعداه باللهجة قالت : حلوة رجلتس ذكرتني بعماد .. فهد معاك ..؟
: ايه فهد معي وبيمشي خلاص مايقدر ينتظر عماد . بس بينظف الشقه قبل يمشي ..
: ليه عماد بيطول ..؟
: ايه حضرته نايم لين المغرب وتوه تذكر يمشي ..
: مالكم شغل فيه هو حر وعلى كيفه ..
قاطعها نايف وهو يكلم فهد ويقول : ماادري والله ..
رجع يكلمها : المكنسة الكهربائية تشتغل على خط كم 110 ولا 220 ..
: ليه ..؟
: فهد بيكنس الشقه مرة معفنه .
ضحكت شادن من اشكالهم وهم بينظفون ومايعرفون قالت : نايف اش رايك تجي تاخذني انا انظفها .
هتف نايف : والله فكره .. فهد امش امش روح لمشوارك وشادن بتجي تنظفها .
سمعت فهد يقول : تسوي خير والله خلها تنظف المطبخ ترى مافيه شي نظيف والهنود مافيه احد صاحي اجيبه ينظف وان جا عماد والبيت كذا عز الله بيمسكها عليّ لين اموت .
قال نايف : يالله ياشادن البسي وانا جايك .
: عماد في الطريق الحين .
: في الطريق يبي له ساعه ونص على الاقل .
: اوكي يالله .
لبست بسرعه بنطلون جينز ازرق عادي وتي شيرت احمر بأكمام قصيرة وحلقه بشكل سبعه وهو ماسك على جسمها بأناقه ..
ماهما تلبس له بقدر ماهمها انها تقابله وتكلمه وتجلس معاه وتراعيه ..
طالعت في وجهها ذبلان ونثرت عليه باودر وبلاشر وحطت قلوس لحمي لامع لعل وعسى انه يخفي ذبولها ولونها الباهت ..
بسرعه لبست عبايتها واخذت لها شنطه صغيره حطت فيها اغراض تلزمها هناك وراحت تقول لامها على مشوارها ..


***

وصل لشقته بعد ماقال له فهد انه مشى للديرة واعتذر عن دوام الاربعاء ..
شماغه في يده وزراير ثوبه اللي فوق مفتوحه ..
ينتظر بس يدخل حتى ينزل ثوبه ويرمي نفسه لأن الطريق الطويل اتبعه ..
استغرب ريحة البخور تعج في المكان ..
ورفع حاجبه مستغرب وبقلبه " لايكون فهد مبخر البيت .. يسويها ومااستبعد عليه شي "
دخل مفتاحه في الباب ودخل وهاله المكان ..
لولا انه واثق ان هذا طريق شقته وبابها ومفتاحها ولا قال انه غلطان ..
ابتسم لريحة البخور اللي ذكرته بها خاصة في رمضان ليلياً وهي تبخر البيت بعد مايروحون الناس من عندها ..
حست ان قلبها انعصر ووقف عن النبض وهي تسمع صوت الباب ينقفل ..
طلعت من المطبخ وجات تمشي كأنها مو على الارض
شوق ولهفه
وخوف من ردة فعله ..
وخوف عليه ..
وخجل وحيا من تصرفها ..
وقف بمكانه يطالعها بصدمه
آخر شخص توقعه في شقته هي شادن ..
طالع يمين ويسار ودخل يده في شعره قال : فيه احد معك ..؟
هزت راسها بلا قالت : بس انا .. قلت اجي انظف لك الشقه ..
قربت منه ومدت يدها عليه قالت : الحمد لله على سلامتك .
صافحها بدون تردد وسحبها سلم على خدودها وهو يقول : الله يسلمك ..
ترك يدها هروب وجلس على الكنبة تعب وانهاك من المواجهه ..
قال : هابشريني وشلونك الحين يقولون صار فيضان في بيتكم ..
ابتسمت قالت : نايف ها ..؟ طيب اوريهالدب اللي فضح فيني ..؟
ضحك بصوت عالي جمد كل اطرافها قال وهو يمس ظهره : آآآه ياجسمي .. وانتي من بيرجعك الحين انا ولا نايف ..؟
زمت شفايفها بقهر قالت بجرأة اغتصبتها من خجلها : لهذي الدرجة وجودي مضايقك .
طالع فيها وتأمل عيونها الخالية من أي زينه وكانها تقول انا اصلاً يائسة منك يوم اني مازينتها وكحلتها .. بس فيها سحر ممزوج بالحزن اللي تحاول تخفيه ..
تنهد وقلبه يقول " يالوتدرين ياشادن وجود في حياتي وش .. ولوتدري..؟ ماتجرأتي وسألتي "
غمض عيونه وسند براسه على الكنبة قال : لاوالله مو قصدي بس تدرين الناس يعرفون اني ساكن هنا عزوبي ماابي احد يتكلم ويشك فيني .
قربت وجلست على حافة الطاولة قدامه قالت بجدية : يعني بترجعني لبيتنا وتحرجنا مع امي ونايف .
قربها مايقدر يتحمله ..
حاول يبعد نظره عنها وماقدر ..
مايحس الا بالانجذاب وكأنها تيار قوي جارف
حط عيونه في عيونها ومد يده ومسك يدها قال : الا والله جيتي وجابك الله .. حسابي معك عسير ..
سحبت يدها منها بقوة وهي تطالع فيه بجديه قالت : ها .. اش سويت ..؟
وقفت وبعدت عنه ولحقها بسرعه مسكها عضدها قال : وينك وانا ادور عليك من تلفون بيتكم لتلفون نايف وانا اصلاً ادري انك تتهربين ..
قاطعته : أي أي عماد يدي والله تألمني .. سيبها .
: لا لا ماراح افكها لين تقولين .. يالله اعترفي .. اول شي سالفة البكا في الديرة ثم الانهيارات اللي ورى بعض .. ثم تهربك مني وكأني ذابح لك احد .
مدت عليه يدها اليمين قالت : أي عماد اسمع .. امسك يدي هذي وسيب هذي .. هذي ترى مرة تألمني .
يحس انه بدا يفقد السيطرة على نفسه وقرب من وجهها قال : ش فيها يدك ..؟ ها ..
اختنق صوتها وهي تشوفه مايقدر يسيطر على نفسه قالت : انا اقول لك بس سيبني .. سيبني عماد ..
تهاوت يدينه من عليها قال بأمر : روحي من قدامي .. يالله .
ابتسمت له قالت : بروح .. بس انت ادخل خذ لك شور على بال مااطلب لنا عشا .
رفع يده قال : انا اكلت المغرب يوم صحيت انتي ماتعشيتي ..؟
قالت بخجل وهي تشوفه يصد عنها : الا تعشيت .. تدري ان سارة صحت .
: والله .. وانا اقول المزاج ماشاء الله .. التفت عليها وكمل : شادن سألتك بالله وش فيك ذاك اليوم يوم جيتي من المدرسة .
عقدت حواجبها قالت : لاتسألني بالله .. مااقدر اقول لك .
رجع لها قال بحزم : لابتقولين .
عدت من عنده ودخلت المطبخ اللي يطل على الصاله قال بصوت وصلها : مافيه ياشادن بتقولين يعني بتقولين مافيه مفر .
وش تقول له ..؟
وش الحجه والعذر ..
خطرت على بالها كذبة مادرت انها راح تدمرها وتدمره اكثر منها قالت وهي تصد عنه : خلاص اقول لك .. البنات كل مايشوفوني يقولون ..
التفتت وطالعت فيه .. وسكتت
قال وهو يصر عيونه : ايوه كملي . وش يقولون ..؟
: يقولون .... عماد لاتحرجني بليز ..
جا يمشي قرب منها وابتسم قال : بتقولين ولا ..؟
نفضت يدينها بملل وهي تقول : يقولون انتي حامل او لا .
ثبتت نظراته في مكان واحد ..
وماتت البسمه ومابقى الا البرود
والملامح فاترة تحمل الخيبة وتأنيب الضمير ..
مرت الثواني ببطء وهي تشوفه مايتحرك
ادري انه مو بيدك
ادري انك مافيك شي
ادري .. والله ادري ياعماد
بس لازم تعيش حياتك
لازم تكون اب ..
وتفرح في عيالك وهم يكبرون ..
جاهدت وهي ترد الدمعه قالت : آسفه ..
رفع نظره لها وزم شفايفه قال بصوت بارد : انتي ليه زعلانه ومقومة الدنيا .. ان شاء الله بتحملين وبيجيك عيال ويرزقك الله ..
اخذ كمية اكسجين يحاول يوصلها لأوردته اللي جفت ونشفت
لعل وعسى انها ترد الدم يجري مثل ماكان ..
كمل بأسى : كلها فترة ياشادن وتشوفين حياتك ..
هزت راسها بلا وشافته يعطيها ظهره ويتوجه لغرفته ..
راحت تجري بسرعه لين وقفت قدامه واضطر انه يوقف قالت بضعف واضح حاولت انها تخفيه تحت قوة مصطنعه : بس انا ابغى اشوف حياتي معاك انت .. انا .. انا .. انت مو فاهمني ليه ..
سحبها وضمها على صدره بقوة وقال : انتي والله اللي مو فاهمه شي ..
سكتت وماعقبت ولاعلقت
وقلبها يردد " الا والله ياعماد عرفت وفهمت وادركت كل شي .. "

( المسافه بينـي وبينك طويلـه ..
والعشــم فينـي كبيـر .. بس مابيدينــي حيله !
لاني اللي نســاك ،، ولاني قــادر أجي لك
الصبـر فيني قضــا
والشـــوق أكبــر وسيله ..
والعشــم فيني كبيـــر
وآآآآآهـ .. مابيدينــي حيلــه ..) *


فكها من بين يدينه بعد مده مايدري هل هي طويله والساعه صادقه .. ولا انها قصيرة على شوقه وشعوره نحوها والساعه ضاعفت الوقت وكذبت عليه ..
تنهد بعمق قال : نامي في الغرفه حقتي وانا بروح انام مكان فهد في المجلس ..
هزت راسها بطيب وسكتت ..
لأنهاعارفة الوضع ومقدره ..!!!!



***



وصل الديرة في الليل ..
واهله نايمين ودخل غرفته على طول ونام ..
عماد وصاه بأغراض يشتريها ويوصلها لبيته ..
وماتذكرها الا الساعه 11 لمن صحى ..
سلم على ابوه وامه وافطر وهو جالس عندهم ..
قال : فيه اغراض بوديها بيت عماد نسيتها في السيارة وهو موصيني اوديها اول مااوصل والله الظاهر يمديها خربت في السيارة ..
قال ابوه : الاغراض تنتظر .. عسى مافيها لبن ولا شي تفسده الشمس .
: الا والله فيها البان وحليب واجبان .. الله يعين بس .
: زين ودها وتعال ابيك في سالفه .
رد فهد وهو يتذكر كلام جدته قال : الله يكفيني شر العجوز لاتكون كلمتك بشي ..؟
ابتسم ابوه قال : الله يخليها لنا شورها دايم في محله .. وش رايك وانا ابوك ..؟
وقف فهد قال : اصبر اصبر الله يخليك لي .. مهب وقتها المواضيع هذي .. الا اذا انت ناوي تغصبني ..
قاطعه ابوه : مافيه غصيبه ان شاء الله بس شوف هذا عماد قبلك كان يقول اللي انت تقوله وهذا هو مرتاح ومستانس وبنت عمك شايلته على كفوف الراحه ..
: بس انا مابي العرس اقل شي هالسنتين .
تهدج صوت ابوه وهو يقول : ياوليدي انا ابيك تعرس .. وابي اخوك يعرس .
: وبندر وش عليه مني خله يعرس وافرح بعياله الله يخليك لي .
قالت امه بحنان : الحين وانا امك اللي يردك وشو ..؟
: اللي يردني اني رجال ماكونت نفسي الوظيفه مالي فيها الا اسبوع وياعالم اقعد فيها ولا اتركها .
رد ناصر بنفس صوته المتهدج : انت ماتعرف تقول لي لبيه وابشر يايبه ليا طلبت منك شي دايم وانت تردني وتعاندني .. ؟
صد فهد بوجع ورجع سلم على راس ابوه قال : الله يخليك لي لو تبي روحي فدا لك .. بس العرس ...
قاطعه ابوه : وليا طلبتك ورجيتك تردني .
تنهد وتنفس بعمق قال : اصبر عليّ خلني افكر ..!
قاطعته امه : ياوليدي مافيها تفكير .. لاتردنا يافهد .. مانبي غير شوفة عيالك .. وعرسك والمهر كله على ابوك وانت ماعليك الا انك توافق بس .
كمل ابوه : بكرة ابي اكلم لافي ..
فهد : لا الله يخليك لي ..
قاطعه ناصر : لا ليش ..؟ انت تعرف بناته سامع شي ..؟ لافي رجال والنعم مصلي صوام جارنا من سنين وماشفنا منه الا كل خير .
كملت ام فهد وكأنها تاخذ الدور عن زوجها : وبناته كل و حده ازين من الثانية ..
رد فهد بعصبيه : امهلوني افكر .
التفت على ابوه اللي قال بحزم : اذا تبي رضاي يافهد الخميس نروح لـ لافي ونخطب منه .
: ابي رضاك بس ..
قاطعه ابوه بحزم اكثر : بس انك تطيعني وتسمع كلامي .. انا لي سنين وانا مخليك على كيفك .. جا الوقت اللي تمشي فيه على كيفي وتسوي اللي ابيه اذا يهمك رضاي .
شد شعره ومسد وجهه بقوة قال : سو اللي تبيه يايبه .. الحياة ماعاد هي مثل اول ..
ابتسم بوجع وهو يوقف وكمل : الله يرحم واحدٍ كان مزينها في نظري .
تنهد بمرار لسيرة الفقيد وطلع من البيت وترك امه وابوه ..
مابين فرحهم لموافقته .. وحزنهم على حاله ..
هز ابو راسه وهويقول : ماودي انا ضغطنا عليه .. وماكنت ابيه يوافق غصب .
ابتسمت امه وهي تربت على فخذ ابو فهد وتهديه قالت : اليوم ضايق وبكره يستانس ياابو فهد .
هز ابو فهد راسه قال : جهزي عمرتس تروحين انتي وامي لمرة لافي واخذوا فوزية معكم ..













فصلٌ رابع عشر ..


~~ مشاعرٌ مبعثرة مطعونةٌ .. مقتولة .. مولودة .. ~~



النصيب مااهو اقوى من القدر ..
والقدر اخذ مني الصديق ..
والحياة بعد فرقى سعود ماهي حياة ..
وماعاد تفرق اني اضيع او اموت ..!
او حتى يقودوني على امرٍ ماابيه ..!


نزل الاغراض في بيت جدته وسلم عليها وطلع من دون مايفتح أي موضوع معها ..
التفت لبيت لافي المقابل لبيت عماد وجدته وزفر بقهر ..
انا وين ربي بلاني بكم ..!
ركب سيارته ومشى على نية انه يرجع لبيت اهله ..
بس المواضيع اللي تنتظره في بيت اهله ماتسره وتزعجه وماتقبلها ابداً ..
غير مساره لبيت فوزية ..
هي الاخت والعمه واللي يقدر اقل شي يشتكي لها وتوقف في صفه
بالرغم ان الموضوع تقريباً حُسم وانتهى امره ..!
الا ان الأمل لازال له بصيص ..!
طالما الخميس ماجا والخطبة ماتمت ..!

دق عليها الباب وفتحت له الشغاله اللي اعتادت على حريم القرية وزياراتهن في الضحى ..!
قال : فوزية فيه ..؟
ردت الشغاله وهي ترجع ورى الباب : يس مستر مدام فيه بس نوم .
دخل وهو يقول : روحي روحي صحيها بسرعه قولي فهد يبغاتس ضروري .
نادى بصوت عالي وهو يتوجه للصاله .. : ياولــــد ياشهــــد يافيصــــل .. يااهل البيت .. ياولد ..
المكان يلج بصوته الثقيل والعالي ..
نزلت فوزية بعيون نايمه وهي مغسلة وجهها ولابسه روب طويل على بيجامتها ..
قالت : حيَّا الله فهيدان .. جابك الله ..
سلمت عليه وهي تقول : زين انك جيت ابي اعرف العلوم اللي سمعتها صدق ولا اشاعه .
رمى نفسه على الكنب باحباط قال : مسرعها توصلتس .. ولا مخططين لي كلكم قبل ارجع .
ضحكت قالت : ياخي انا للحين مو مصدقه .. مااقدر اتخيل صراحه .. بس وش فيك محبط كذا ..؟
: وش اللي مايحبطني وانا مغصوب عاد انا جايتس ابي فزعتس ولا رايتس .. رفع رجله على الطاوله اللي تتوسط الانتريه وسند براسه على الكنب وكمل : عاد آخر عمر فهد يحتاج مشورة مرة .. صدق هزلت ...!
ضحكت فوزية قالت : الحمد لله رب العالمين اللي يشوفك يقول شايب ومابينه وبين القبر شي وانت تقول آخر عمري .. المهم انا والله يافهد ماقد فرحت مثل مافرحت يوم سمعت اخبارك الطيبة من عماد .
فز وعدل جلسته قال : عماد وش دراه ..؟
رفعت فوزية حاجبها بغرابه قالت : وشو اللي وش دراه .. موب وظيفتك عنده في شركته ..؟
: الحين وش دخل وظيفتي في اللي انا اقوله لتس .
عقدت حواجبها قالت : وش اللي انت تقوله لي .. انا مو فاهمه منك شي ترى قصدي بالاخبار اللي جاتني عنك الوظيفه وانك صرت تشتغل عند عماد .
: وبس هذا ا للي مفرحتس ومطير النوم من عينتس .
: اجل وش اللي محبطك ان شاء الله ومغصوبٍ عليه ..؟
: انتي ماتدرين ان عجوزتس شبت في ابوي تبيني اخطب من بنات لافي .
فزت فوزية على حيلها قالت :لا ان شاء الله مايقوله الله ..؟ اذا ماتبي منهن يافهد انا اللي اقف في وجه امي وناصر .
ابتسم فهد لردة فعلها قال : بعدي والله عمتي ..! فكيني من العرس كله ..
: لا العرس كله لا آسفه .. بس اذا انت ماتبي من بنات لافي ابشر من يفكك . اصلاً انا اساس البلا كله لأني قلت لناصر الرجال كبر ونبي نشوف عياله وامي ماصدقت خبر وعرضت بنات لافي .
صر فهد عيونه وهو يطالعها قال : اهااااا .. اجل انتي اسباب البلا .. ماعاد عليّ يافوزية مثل ماورطتيني تفكيني .. بعدين بنات لافي وش فيتس عليهم . ماقد سمعنا عنهن الا كل طيب ..!
ردت فوزية وهي تزفر بأوف : انا بعد ماسمعت عنهن الا كل طيب بس شادن دايماً تقول نوف شرسه في تعاملها معها .. غير كذا شهد بعد تقول لي .. .. المهم ماعليك انت منها البنت ابداً ماتناسبك والثانية اصغر منك بواجد .. ضحكت قالت : ولا تبي لك مقرودة مثل العنود . عاد تخيل بزارينك يافهد مثل العنود هههههههههههههههههه .
عقد فهد حواجبه قال : ام كشة اللي تطوف الديره كلها حافيه .. اححح والله يوم اشوفها تمشي حافيه ان رجولي تعورني ..
ضحكت فوزية منه وفجأة كتفت يدينها وكأنها تذكرت شي مهم بعيد عن الضحك قالت بجديه : كلمت عماد ..؟ اخذت رايه ..؟ ولا في الامور هذي ماعليكم منه ولاتفكرون فيه الا اذا احتجتوه ..؟
رد فهد بعصبيه وهو يوقف : انا ولد ابوي .. الكلام هذا وشو .. انتي تدرين ان عماد اخوي الكبير وكل امرٍ امشي فيه آخذ شوره قبل شور ابوي .. ولا بس انتي منفعله وودتس تحطين حرتس فيني بالكلام اللي يغث . الشرهه موب عليتس ....
قاطعته بصوت اهدى وفيه لكنة اعتذار : ماقصدي يافهد بس موضوع مثل هذا لابد تاخذون راي عماد فيه .. بعدين تعال .. ليش ماتنتظرون احمد عماد يقول بيجي بعد شهرين ثلاثه بالكثير ..
اتسعت ابتسامة فهد وهو يقول : والله وجبتيها ياام فيصل .. هالمرة سامحتتس على الخرابيط اللي قبل شوي عشان الفكرة الحلوة هذي .. يالله بروح لابوي اقول له بننتظر عمي احمد .. سلام .
عطاها ظهره وهي تقول : اصبر تغدا عندنا ترى عزيز على وشك يجي الحين ..
رد عليها وهو يفتح الباب من دون مايلتفت لها : تغدي مع عزيزتس لحالتس عليكم بالعافيه .


***


وصل لشقته الساعه عشرة صباحاً راجع من الشركة ...
ومرعليها قبل ماينام ... شافها تغط بنومها في سريره وانسحب من الغرفه للمجلس ..
دخل في فراش فهد اللي للحين غريب عليه وتغطى ببطانيته وغمض جفونه يستجدي النوم يجيه لايسوي فيه مثل البارحه لمن عانده وهجره ..!
البارحة كانت ليلته عصيبه ..!

جافاه النوم لأن قربها والتفكير فيها شيء اصعب منه بكثير
والحالة اللي هو فيها اكبر من كل التوقعات ..
حاول ينام وهو يتقلب في فراش فهد اللي مااعتاد عليه ..
النوم ماقدر يوصله من بين الزخم الهائل في الأفكار اللي هاجمته وكانت سد منيع ضده .. !!
تنهد من اعماقه وهو يسند براسه على مخدته ويعيد حساباته من جديد ..
" البنت متعلقه فيني وانا ماانفعها ولا افيدها ولاراح اسعدها
وياخوفي انها بانية مستقبلها معاي وانا مستقبلي مظلم وكئيب ..
مسد شعره وغمض عيونه بقوة وزفر " البلا اني مااقدر اتركها .. مااقدر ياربي .. ومستحيل اتخيل انها مع غيري .. آآآآآآهـ يااارب رحمتك .. يارب رحمتك .."
ضم جفونه على بعض والتهى بالمعوذات وآية الكرسي لعلها تهدي عواصف الأفكار اللي أرقته ..
ردد (اللهمَّ إني أسألك في صلاتي ودعائي بركة تُطهر بها قلبي، وتكشف بها كربي، وتغفر بها ذنبي، وتُصلح بها أمري، وتُغني بها فقري، وتُذهب بها شري، وتكشف بها همي وغمي، وتشفي بها سقمي، وتقضي بها ديني، وتجلو بها حزني، وتجمع بها شملي )
غفت عينه على الذكر بسلام ..
..
وبعد اذان العصر ..!
فتح عيونه بصعوبة على صوتها ..
: عماد ... عمااااد قوم صل الظهر والعصر .. عماااااد .
تراءت له صورتها بالبيجامه الواسعه بلون الزهر وأكمامها طويلة ..
شعرها الأسود ينزل على خدودها بتمرد وعصيان وهي ترجعه ورى اذنها باستمرار وحركة اعتادها وصارت لها طبع ..
نفسه يمد يده لها ويضمها دقيقتين ، ثلاث ، خمس بالكثير ..
لكن ضميره الصاحي له بكل محاولة تهور رده ومنعه ..
انقلب على جنبه وظهره ناحيتها قال : اطلعي وسكري الباب .
: طيب عماد قوم .. العصر راح وقته بعدين انا صاحيه من الظهر لوحدي .
غطى وجهه باللحاف وهو يقول : دقي على نايف خليه يجي يرجعك لبيتكم .
تأففت باعتراض وزعل ورجعت للصاله ..
وهو قام وجلس ..
شد شعره بقلق وحيرة ..!
وبقلبه " وش هالحياة اللي اهرب منها وتلحقني واعيشها بعذاب "
طالع في الباب يتبع اثرها اللي اختفى ورمى اللحاف عنه و راح يتوضأ في دورة المياه الملحقة بقسم الرجال ..
رجع للمجلس وبعد ماصلى فرض العصر طلع لها ..
كانت جالسة على الكنبة وتكلم امها وتضحك معاها ..
وقف عندها ينتظرها تكمل قالت وهي تطالع فيه : طيب يمه هذا عماد صحى ......... حاضر ان شاء الله ولايهمك يالغاليه ........... الله يسلمك .......... مع السلامه .
طالعت فيه قالت : امي تسلم عليك .
جلس على الكنبة وهو يقول بصوت نايم : الله يسلمها اسمعك تقولين حاضر وولايهمك .
ابتسمت له وهي تاخذ الريموت وتشغل التلفزيون قالت : توصيني عليك .. تقول اهتمي فيه ولاتخلينه ياكل شي من برا وانتي عنده .
خلل شعره بأصابعه قال : ايييه ذكرتيني طبعا مااكلتي شي للحين ..
: ليش البيت فيه شي ..؟ حتى سكر ماحصلت عشان اسوي شاهي ..!
: شقة عزوبي عاد .. يالله قومي البسي بنروح نتغدى في مطعم .
عضت على شفتها السفلى قالت : مممم لا خلاص طلبت .
رفع راسه من على الكنبه قال وهو عاقد حواجبه ولهجة عدم الرضا واضحه : وشو ..؟ طلبتي ..؟ ومن اللي قال لك تطلبين ..
قامت وجلست بنفس مكانها البارحه على الطاولة ومقابلة له قالت : عماد اش فيها اذا طلبت ..؟ ترى المطعم اللي طلبت لك منه راح يعجبك .. طالعت في الارض وكملت : بعدين انا متعوده زمان اني اطلب .. ولو ادري انك ماترضى ماطلبت ولا سويت لك مفاجأة ولاغديتك على ذوقي .
ردها كله اعتذرا وحنية ..!
تمنى انها ماجات للبيت ولا جلس معاها لوحدها ولا سمع منها هالكلام ..
ضم وجهه بيدينه قال : متى طلبتي ..؟
: قبل ساعه ... بس يبغى له كمان نص ساعه عشان يوصل .
عقد حواجبه قال : وش طالبه ذبيحه ..؟
ضحكت بصوت واطي قالت : لا لا موذبيحه .. بتشوفه بعد شوي .
قال : اجل بقوم اتروش على بال مايجي غداتس .
مشى من عندها هارب ..
خايف منها وعليها ..
" يارب "
لفظها لسانه مستغيث ومستنجد ودخل الحمام لعله يبعد عنها لحد مايجي الغدا ويلتهي فيه .

في نفس الوقت ..!
تمسد وجهها المتوهج خجل من نفسها وتصرفها وكلامها ..!
ضميرها الحي يحثها على الاستمرار وخجلها وعدم تعودها ينفرونها من التمادي ..!
"يافضحي منه الحين وش بيقول ..!
جريئة ورامية نفسها ليّ .."
حركت رجلها بعصبيه ورفعت وجهها بشموخ ..
" عساه يقول اللي يقول
المهم اني اقدر اقرب منه واقدر اساعده في النور ..
اقدر اقول سافر وتعالج
اقدر اقول روح لطبيب عربي
اقدر اقول لاتاكل كذا وكل كذا ..!
هذا يفيدك وهذا يضرك "
تنفست بعمق وهي تردد
لسه ياشادن مابدا التعب ..!
هيأي نفسك للجاي وقوي عزيمتك .
رفعت نظرها للسماء ويدينها تضغط على خدودها بقوة وقالت نفس كلمته بنفس حاجته ورغبته
" يارب "
بعد برهه من الوقت ..!
قطع صوت الجرس عليها تفكيرها وشافت عماد يعدي من عندها وفتح الباب ..
ناداها بصوت عالي بعد ماقفل الباب : شادن .
وجاته تمشي قالت : ها وصل ..؟ خلاص اتركه انا ادخله واحضره .
اخذت اطباق السمك المشوي ورتبتها على السفرة وهي تفكر بكلام الدكتور : لازم ياكل هو وكل من يهدد بالعدوى اطعمة تقوي من جهاز المناعه مثل السمك اللي بدون زيوت والخضار والفاكهه والزعتر مهم جداً ومفيد جداً ..
ناداها عماد وهي مسرحه وتتذكر وش بعد يحتاج جسم عماد لتقوية جهاز مناعته قالت بارتباك : ها اا هلا هلا .. سوري ماسمعتك .
جلس على السفرة وهو يقول : وين رحتي . . ؟
عضت على شفايفها بحركة خجولة وقالت بذكاء ساعدها في الموقف : بصراحه شكلك رجع لي ذكرى .. مممم ماادري تحبها ولا لا .
حط اللقمه في فمه وهو يقول : أي ذكرى .
طالعت في شعره الرطب قالت : تتذكر هذاك اليوم قبل زواجنا وانت خارج من غرفتك وانا طالعه مع الدرج ..
قاطعها : ايه اذكر ... الا وش طاري عليك تطلبين سمك ومشوي ..؟
: اش رايك بالله مو لذيذ .
: الا والله المطعم هذا عزمت فيه وفد اماراتي وصاروا اذا جوا لجده مايتعدونه .
قالت بمكر : عشان تعرف اني ذوق واختياري دايماً بمحله .
رفع نظره لها قال بخيبه : ايه والدليل انك تركتي امك واخوك وصديقتك واخترتي تجلسين عندي .
حست انها مخنوقه من كلمته ..!
تبكي قدامه وتصرخ وتقول الا عندي ذوق وانت بالدنيا كلها ..!
ولا تسكت وتمشيها وتحسسه انها مافهمت ..
بلعت لقمتها بقوة قالت : اش رايك نخرج نتمشى .
: وش رايك اردك لاهلك تجلسين عندهم للجمعه وترجعين عشان دوامك .
: بروح لامي واجلس عندها الليلة بس برجع الجمعه عشان بيتي وزوجي وجدتي .. والدوام آخر همي .
كفت يدها ورجعت ورى وهو يطالع فيها ..
يحب ابتسامتها ويحب ضحكتها اكثر
ويحب يشوفها معصبة ورافعه حاجبها بزعل ..
ويحب كلامها رغم انه معترض عليه ..!
قال : بتتغدين ولا تراني قمت وخسرتك عزيمتك .
: تغدى انت اش عليك فيني . بعدين ماعادت عزيمتي مو انت اللي دفعت .
ابتسم قال : امشي بس كملي اكلك خلي حركات البزارين عنك ... عشان نروح لعمتي ام نايف ماشفتها لي اسبوع بسلم عليها وآخذ علومها .
تهلل وجهها فرح وهو يقول عمتي ..
هذا الشي الوحيد اللي يحسسها انه مو معترض على زواجه منها ..
رجعت مكانها وكملت غداها وهي كل ماتحاول تفتح اي موضوع بدهاء يسكره عماد بذكاء ..!


***




الفقد في حياتنا صعب على أي شخص مهما كانت قدرات تحمله ودرجات صبره وتجلده ..!
له وقعه وتأثيراته
احياناً يودي بنا للجنون
أحياناً يورث بدواخلنا الخوف للأبد ..
والأكيد انه يوغل الحزن بقلوبنا لسنين عدة اذا ما استمر طول العمر ..!!
جالسه في غرفتها وكل شي حولها غريب ..!
رغم ان المكان هو هو ..!
والأشخاص هم نفسهم ..!
الا ان الدنيا موحشة عليها وكأنها اول مرة تواجه الحياة لوحدها ..
تعبانه ومثقله لدرجه انها ماتقدر تفكر بشي ..!
ولا تسمع شي ..
ولا حتى تقول شي ..!!!
دخلت عليها امها في يدها صينيه فيها كاسة حليب وشرايح توست مدهونة بجبنة ..
قالت والابتسامه تعتلي وجهها فرحة بوجود سارة في البيت وقومتها بالسلامه : ياصح النوم .. صحيتي ياقلب امك ..؟
ابتسمت سارة لامها بوجع .
قالت : هلا يمه صح بدنك .. ليه تتعبي نفسك ماني جيعانه .
ردت امها وهي تحط الصينيه على الكومودينو بجنبها وتجلس على طرف سريرها : ياقلبي لازم تاكلين اليوم ماتغديتي زين .. والدكتور يقول انك نزفتي دم كثير يبغالك شهور عشان تعوضينه .. خذي اشربي .. قولي بسم الله .
رشفت سارة من كاسة الحليب مجامله ودفته بعيد عنها قالت : يمه مااقدر .. يكفي البارحه شادن قاعده تدف الاكل في فمي غصب .
تنهدت امها بحب وهي تتذكر موقف شادن قالت : ياربي ياهالبنت ماادري كيف ارد لها جميلها .. صدق ماتعرفين معدن الطيب الا وقت الشدة وشادن اصيله ماخيبت الظن فيها الله يرزقها ..
ابتسمت سارة بامتنان قالت : تصدقين انها دقت عليّ بعد العصر وصحتني اصلي .. عاد انا صعب اقدر اوصل للحمام ولولا الشغاله نايمه عندي كان تبهذلت .
قالت امها بلوم : قلت لك بنام عندك بعد الظهر وانتي اللي رفضتي .
: لا يمه مو يكفي انك تاركه ابوي كل الفترة اللي راحت وانا في المستشفى ومقابلتني والبارحه نايمه عندي .. خلاص انا الحين احسن الحمد لله .
ضمت امها على يدها قالت : ترى ابوك ومشاري قرروا انا نروح للمدينه بناخذ هناك اسبوع اسبوعين على كيفك ..
تنهدت ساره وغمضت وهي تحط راسها على صدر امها وتحاول ترد العبرة قالت : يمه انا مرة تعبانه ... ابغى ارتاح .. ماادري فين اروح .
مسحت امها على راسها بلطف وقالت : تدرين ان ابوك قال نبغى نروح لتركيا لأنك تحبينها بس انا رفضت قلت نروح للمدينه .. كل هذا عشان ترتاحين نفسياً لأن اللي يروح لها مهموم ينشرح صدره وترتاح نفسيته .
سكتت سارة محملة بالهموم والذكريات تمخر قلبها وتنزفه كل ماعصفت بتفكيرها ..
واكتفت امها بالكلام هذا لأن الدكتورمحرص عليهم مايطولون الكلام معاها حتى مايرهقونها بالكلام او حتى الاستماع ..!




***




في الديرة ..!
حول النار الصغيرة في المنقل ( وعاء معدني مستطيل الشكل على اربع قوائم يوضع في الجمر اما للتدفئة او تسخين القهوة والشاي ) اللي يتوسط مجلس ناصر ..
جالس في صدر المجلس وفهد على يمينه ودلة القهوة في يده يصب لابوه واخوانه ويرجعها على طرف المنقل ..
البرد اشتد في القرية والمناطق اللي حولها ..
قال ناصر بلهجة حاده : انا علمتك الخميس يعني الخميس . ولا انت تبي تماطلنا لين تغير رايك .
فك فهد شماغه اللي تلثم به لأن ريحة كربون النار تضايق صدره اللي للحين مابريء من التهاب البرد وشكلها وريحتها تذكره بوجع سعود وفراقه ..!
قال لابوه : يايبه انا ماقلت شي .. واللي تبيه يصير وعلى راسي بس يرضيك اني اخطب وعماد مادرى .. ترى مهب زينه في حق عماد اللي يعتبر نفسه ولدك الكبير واخونا كلنا .
: وانا اشهد ان عماد ولدي واكبر عيالي بس الخوف انك حاط(ن) عماد حجة وتبي تغير رايك ويكون في علمك يافهد انا علمت لافي وغازي اخوه قلت الخميس نبي نجتمع عندكم والرجال لمحت له وعرف وش ابي منه واكيد انه ينتظرنا بكرة لاتحاول تثنيني عن اللي ابيه ..
قال بندر وهو متكي على التكاية وينعس : والله مهيب زينه في حق ابو مشعل .. انتظره يبه ولا خلني بكرة اروح لأي ديرة فيها شبكة وادق عليه .
قالت ام فهد وهي تحرك الجمر وتثبت ابريق الشاهي عليه بعد ماصبت لخالد المتمدد في آخر المجلس منه بيالة : ياابو فهد .. انت تراك تعجلت ماكان قلت للافي عن جيتكم ...
قاطعها بنبرة عصبيه : وراني مااتعجل يوم ابي شوف عيال فهد وبندر .
وقف بندر وهو يقول : اسمحوا لي ابي ادخل انام .. وانت يافهد والله ان مادقيت على عماد وبلغته لياخذ بخاطره ... هذا مهب أي موضوع هذا زواج ووقفة رجال لازم يكون معنا .
هز فهد راسه قال : وانا وش اقول من اليوم ..؟ والله الظاهر اني ابي اسري ادق عليه .
ردت ام فهد : لا والله ماتروح في هالليل والبرد وانت صدرك تعبان .. خله بكرة من اصبح افلح .
دخلت عليهم منال وكتابها في يدها قالت : فهد تقدر تشرح لي مسألة هنا .. صعبة وبندر يقول مايقدر يشرح وهو نعسان .
قال فهد : هاتيها اشوف .
قام خالد وعدل جلسته قال : انتي يامنال وش اللي معنيتس قايل لتس ادخلي معهد معلمات مثل بنات لافي وتخرجي مدرسه .. ها وش بتحصلين بعد الثانوية .
قال فهد وهو يكتب مسألة الفيزيا في كشكول منال : وش بتحصل يعني اكيد مادخلت الثانوية الا عشان تكمل دراستها .
قالت امها : وين تكملها ..؟ ولا تبيها تدخل السكن مثل خوات مرة عمك احمد .
فز خالد ولد ال16 سنه قال : والله لتموت مادخلته .. هذا اللي ناقص نفك بناتنا في السكن ولحالهن .
: لا وش يدخلها السكن تروح معي وتسكن عندي هي واختها لين يخلصون دراستهم .
رد ابوهم اللي اثاره فهد بموضوع عماد وحس انه تسرع .. رغم انه ماغاب عنه بس حب يخطب والملكه يشهدها عماد ولاتفوته .. : هالحين اشرح لاختك ثم لياكملت الثانوية يالله في العافيه هذيك الساعه تعالوا قولوا اللي عندكم .
قال فهد : منال تدرين انا نزلت الكيس اللي من عند ام نايف لكم ولا لا انا ماعاد اجمع ذاكرتي فشلتني بخلق الله .
ردت امه مقاطعه : لاوالله وانا امك ماشفنا شي .
قال فهد لخالد اللي يتصفح كتابه بملل : خالد فز هات الكيس الأبيض الكبير من شنطة السيارة ..
رمى عليه المفتاح وقام خالد .. وانغمس فهد يشرح لمنال المسأله اللي فهمتها على طول وبدون عقد ..
قالت : اشوا انها سهله ..
قاطعتها امها وهي تفتح الكيس اللي جابه خالد للتو ..
: ماشاء الله تبارك الله . . الله يبيض وجه هاك الحرمه ..
قربت منال منها قالت : اشوف يمه .
فتحت الكيس الكبير وحصلت فيه عسل نحل وبخور من الأصلي الفاخر ..
وداخله كيس ثاني فيه قطع اقمشة وخاتم ذهب وعطورات للبنات وبلايز صوف .
سحبت منال البلايز والعطورات قالت : عز الله ماذاكرت حنان ان شافتها .. بس بروح اوريها اكيد انها بتنسى هم المذاكرة .
طلعت من المجلس والكل منشغل بنفسه اللي يفكر وشلون يوصل الموضوع لعماد
واللي يفكر متى يجي عماد ويفكه من الموضوع كله ..
واللي منشغل باختبار بكرة وشلون يعدي منه ..
واللي منشغله بتمييز الهدايا باعجاب وتفكر وشلون ترد الهديه بأحلى واحسن ..!



***



ظهر الخميس ..!
وفي بيت امها ..
اخذت جوالها وكلمت سارة وتطمنت انها وصلت للمدينه وانها احسن من امس واللي قبله ..
وبعد مكالمة سارة اللي ماطولتها جلست بملل ..!
طالعت في امها الملتهية بمراجعة الجزء اللي راح تختبر فيه بكرة عصر الجمعة في الدار ..
جو السكوت يحيلها للتفكير
وتفكيرها محصور في حياتها مع عماد ..!
وحياتها مع عماد شائكة ومتعبه ومرهقه ..
عماد تعبها بسلبيته وبعده وعدم تجاوبه معاها رغم انه يبي ..!
وهي تعبت من يوم اخذته وهي تصبر وتتحمل وتنتظر بكرة ..
امس لولا ان نايف حلف انه يتعشى عندهم ويضيفهم ولا ماجلس بعد القهوة دقيقة وحده ..
اصراره على عدم الاحتكاك فيهم اكثر من ضيف خفيف يوترها وينرفزها ..
وعذره اللي هي فاهمته ومقدرته ان عماد حاس انه مو من حقه يجلس معاهم ويلبس ثوب زوج بنتهم اللي لابد يحتفون به ..
وهو بنظره انه على العكس
زوج وهمي ومايستحق الحفاوة ..!
تسحبت وهي تتذكر كلامه لها قبل مايخرج ..
" اذا بغيتي شي دقي عليّ رقمي مع نايف خذيه منه .. واذا بغيتي تجين للشقة بلغيني قبل "
دخلت غرفة نايف وهو غاط في نومه ..!
واخذت جواله وسجلت رقم عماد في جوالها وراحت لغرفتها ..
دورت على حجه تبرر له اتصالها عليه ..
حجه ماتحرجها ولاتحرجه ..!
سبب قوي والأهم يقنعه ..!
ضغطت زر الاتصال بتهور وبعزيمة والحجه للحين ماجات ولالقتها ..
دق مرة ومرتين وثلاث ..
اخيراً رد بصوت نايم وهو يقول : الو .
تنحنحت بصوت خافت قالت : هلا عماد .. السلام عليكم .
سكت لبرهه ورد : عليكم السلام من معي ..؟
: ها ..؟ ماعرفتني .
: اوووه هلا هلا شادن .. اجل هذا رقمك .
: ايوه . عماد انت نايم ..؟
عدل راسه على المخده قال : لا خلاص صحيت . بغيتي شي .
: ممم .. ايوه ..
جاتها الفكرة والحجه لعندها من عند ربي قالت : ابغاك تقوم تصحصح وتاخذ لك شور وتصلي الظهر وتجي للغدا عندنا .
رد وهو يتثاوب ويعدل اللحاف عليه قال بعفوية : والله ياشادن صوتك في التلفون ابد مايساعد ان الواحد يصحى .
ردت بعفوية مماثلة : ها ..؟ كيف .. مافهمت .
ضحك وصوته النايم والكسول يخترقها ويستقر بقاع قلبها قال : هههههههههههههه عليك صوت مهوب صاحي في التلفون .
امتقع وجهها حمرة خجل ..
اول مرة يغازلها ..
لا لا مو اول مرة قد مسك يدها قبل وقال " الحلو يصنع حلو "
بس هذا اللي سمعته منه ..
وصلها صوته هالمرة مختلف ..
الاحساس بالذنب وصحوة الضميرة واقفين له سد منيع بينه وبينها ..
قال وهو يتنحنح ويحاول يرجع لطبعه الجاف معاها : وشلون امك ونايف .
غمضت عيونها بخيبة واحباط قالت : كلهم بخير ويسألون عنك .. يالله عماد ترى استناك على الغدا لاتردني .
: لا لا تغدوا البارح انا متعشي عندكم يكفي ..
قاطعته : عماد الله يخليك لاتقول هالكلام وتحسسني انك غريب عنا ترى هذا بيت خالك وعياله .
: ادري انه بيت خالي وعياله بسس .
: بس مافيه عذر يالله قول طيب ..
: لاوالله مايمديني اجيكم .. بروح احلق وامر على واحد من العيال يمكن اطلع انا وياه نتغدى برا .
: عماد طلبتك لاتردني .. يمديك تحلق وتجي .. اصلاً انا لسه ماسويت الغدا . بعوض عزيمة امس اللي صارت على حسابك وانا اللي كنت ناوية اغديك على حسابي .
وش اللي تسويه فيه
يوم بعد يوم تقتحمه اكثر
ليته رجع للديره ولا جلس في جده وشافها وكلمها وحس فيها اكثر ..
ليته يقدر يهرب ويبعد وينساها وينسى شكلها وصوتها وقربها ..
: ها اش قلت ..؟
تنهد وهو يرفع اللحاف عنه ويقوم قال : وش قلت بعد .. امرنا لله .. بنت خالد تامر وحنا ننفذ .
عضت على شفتها والابتسامه الخجلى على محياها قالت : تسلم الله يخليك لي .. يالله استناك وخذ راحتك .
تجاهل جملتها الاولى قال بلهجة جافه مصطنعه : زين يالله مع السلامه .
همست : الله معاك .

قفلت منه وراحت للمطبخ بسرعه وفي راسها مليون فكرة وش الأنسب واللي يصلح له ..
اخيراً استقرت على اكلات مو دسمة ..
مرقوق وصينية خضار باللحمه وجريش وسلطات ..!
ساعتين من الجهد والعمل بتفاني وتفنن مرت عليها هي وامها وشغالتهم الاندنوسية ..
اخيراً انجزوا بإتقان ورضا ..
دقت على عماد قال انه قريب من البيت وراحت تصحي نايف اللي قام بسرعه ونزل تحت ينتظر عماد ..
الاستقبال والترحيب والجو الأسري اللي في بيت اهل شادن عمره ماحس فيه رغم انه عاش عند جدته وأفضت عليه من الحنان لدرجة الاشباع ..!
وعاش مع عمانه واعتبرهم اهله لكن وجود الام والأخ والأخت وهو بينهم وكأنه واحد منهم احساس غريب ..!
بعد ماتغدى مع نايف جابت شادن القهوة والشاهي وجلست عندهم وجات امها كملت الجلسة ..!
ومع السواليف الهادية اللي كانت تدار غالباً بين عماد ونايف وعماد يسهب لنايف في شرح أي سؤال يقوله عن الاقتصاد ... الاسهم .. ادارة الاعمال .. تأثير الصحافه على التجارة .. الاعلانات ودورها .. وماتطرق للحديث عن نفسه ابداً الا لمن قال نايف : طيب انت مافكرت في الدكتوراه بعد الماجستير .
طالع في شادن وعمته قال : ماكتب الله اني اكملها .. ولو ان الفكرة كانت وارده واحتمال تنفيذها بأي وقت . بس اني اسافر واترك جدتي بعد ماسافر احمد صعب عليها .
قالت ام نايف : ليه ماتكملها هنا في السعودية .
: في السعودية اريح لي لكن الشهادة من برا لها ميزات افضل ...
قطع عليهم صوت المسج اللي وصل لجوال عماد الحديث وفتحه قرا مسج فهد والمجلس يدور فيه " انا لي ثلاث ساعات احاول ادق عليك والشبكة زفت عيا الاتصال يمسك .. لكن تعال اليوم ضروري الشايب مصمم يخطب لي من جارك لافي .. وكلمهم على اساس العصر نجيهم .. تكفى ياابو مشعل لاتخيب ظني فيك انت خابر رايي زين في مسألة العرس وفوزية ناشبة لي تقول لاتناسب لافي .. عاد انا مالي غير الله ثم انت "
وقف وهو مرتبك ..
مصيبة حلت عليه وعلى فهد واهله ..!
وش يسوي والعصر على وشك وهو لابد يوقف الخطبة بأي حال من الاحوال ..
طالع في نايف اللي قال : عسى ماشر . ؟
قال : ماشر ان شاء الله .. انا مضطر امشي الحين للديرة .
شهقت شادن بهلع وطالع فيها قال بسرعه : مافيهم الا العافيه بس فيه موضوع يبيني فهد اجي احله بسرعه ومايحتمل التأجيل .
قالت وهي مو مصدقه : عماد لاتكذب علينا .. جدتي فيها شي .. عماني ..
قاطعها نايف بلهجه حاده : شااادن وش هالكلام ..؟ بعدين يالله البسي بسرعه وامشي مع زوجك .
قالت بخوف ولهجة حازمة : ايوه طبعا ماشيه استناني عماد لاتروح .
زم شفايفه وهو يحس ان الوقت يداهمه قال : عجلي عليّ معك عشر دقايق ان تأخرتي مشيت ..
طلعت بسرعه والتفت على نايف اللي تايه مابين ياخذ كلامه ويصدقه ولا يصدق حدسه وتعابير عماد المكتئبة ومهمومه ..
قالت ام نايف بتروي وهدوء : فيه شي ياعماد ..؟ شكلك يقول ان الرسالة كدرتك ..!
قال عماد بهدوء مصطنع : لاتخافون والله مافيه مايروعكم بس ان فهد غصبه خالي على العرس وهو مايبيه وينخاني ( يطلب نخوتي ) يبيني افكه من الموضوع .
عصب نايف قال : وبس .. ؟ ياخي ماتحتاج المسأله انك تطق مشوار بهالسرعه .. بعدين هو حر مايبي الزواج يقول لا . وانا اعرف عمي ماتوصل معاه للغصيبه .
: عاد فهد مايبي يزعل ابوه ونوى يحطها في راسي انا .
قالت ام نايف بنفس الهدوء والخجل اذا قابلت عماد احتراماً له وتقدير : الله يستر عليك ياولدي لاتستعجل بالله .. وتأكد ان اللي ربي كاتبه راح يصير واذا فيه قسمه لفهد محد رادها .
هز راسه باقتناع قال : اللي عليّ بسويه والباقي على ربي .
وقف على باب المجلس ينتظرها بقلق وبركان انفعالات حاول جاهد انها ماتظهر وتبين عليه آثارها ..!
مو معترض على زواج فهد وقسمته بقدر اعتراضه على نسب لافي وقرب لافي وبنت لافي ..!
زفر وهو يطالع في ساعته قال : بالله يانايف استعجلها ..
خرخ نايف من المجلس ورجع بعد دقيقتين وشنطتها في يده وهي تمشي بسرعه وتلف طرحتها على راسها قالت : ماعليه آسفه .
رد عماد بسرعه : يالله يالله عجلي .
التفت على امها ونايف قال : يالله نسلم عليكم .
خرج بسرع متحاشي وداعها لامها واخوها اللي من بدايته ادمع عيونها وفضل انه ينتظرها برا ..!!



***


اعتادت بيوت القرية الصغيرة انها تطلق اطفالها في طرقات القرية كل عصرية واذا قرب المغرب ضمتهم وسكرت ابوابها عليهم ..
الدنيا امان والناس مسالمه ومحد يخاف من جاره ولااحد يخاف على عياله ..
كانت العنود واقفه مع شهد بمريول المدرسه اللي ماتنزله الا اذا جات تنام وشعرها متطاير بدون تسريح او ترتيب ورجولها اللي اعتادت السير على تراب الديرة وعرفتها وعرفت مكامن الخطر والأمان حافية وعارية ..
حكت فروة راسها بعنف وقالت : شهد ابلا شادن متى تجي .
ردت شهد على العنود اللي تعودت تلعب معاها غالباً اذا سامر ولد نوير ما جا عندهم لأن في حضور سامر عند شهد يبطل الكل ..
: امي تقول راحت عشان تشوف زميلتها اللي صار عليها حادث .
: طيب متى بتجي .
هزت شهد اكتافها ببراءة قالت : ماادري .. اصلاً احنا كلنا بنجيكم بعد شوي .. امي وجدتي وخالتي ام فهد حتى خالي ناصر وخالي فواز كلهم بيجون عشان يخطبون نوف اختك .
فتحت العنود عيونها بقوة متفاجئة قالت : قولي والله .
ردت شهد : والله انا سمعت امي امس تقول لابوي بنروح نخطب نوف .
: طيب من اللي يبي ياخذها .. عماد ..؟
: لااااااااااا عماد متزوج شادن ياغبيه .
صرت العنود عيونها بحيرة قالت : وحتى اذا هو متزوج ...! انتي ماشفتي ابوسليِّم عند اربعه حريم وعياااااله واااااجد حتى مااقدر اعدهم .
ردت شهد بحماس واندفاع : بس عماد حلو مو شايب مثل ابو سليم .
عضت العنود على شفتها وهي تصر عيونها وتفكر بزوج نوف المستقبلي : اممممممم اجل من بياخذها .. ابوتس ولا عمتس فواز .
: ابوي لاااااا .. بس يمكن خالي فواز لان خالتي حليمه كانت تعبانه في رمضان وراحت للمستشفى .
زمت العنود شفايفها قالت : انا اصلاً منيب معرسه بعدين عشان رجلي مايعرس عليّ .
قالت شهد بلهجة تحذير وهي تعض على شفتها السفلى وتلتفت على بيت امها : اسكتي عيب تقولين كذا .. امي تقول عيب تتكلمون في الزواج .
هزت العنود اكتافها بلا مبالاة قالت : حتى امي تقول عيب بس انا سمعت نورة ونوف يهرجون في العرس ونوف تقول انا ماابي حمود ونورة تقول اخذيه ازين لتس من عماد معرس وعنده مرة . ونوف تقول عادي اهم شي ياخذني لو عنده ثلاث حريم ..
ابتسمت العنود بمكر وكملت : اصلاً اختي نوف كل يوم تقز عماد مع الطاقه .
حطت شهد يدينها على وسطها باعتراض قالت : ياسلااااام . اصلاً عماد متزوج احلى وحده في السعودية كلها .. ونوف اختك دبة وشعرها اصفر وع وع وع . والله مايتزوجها .
وبحميه وعصبيه واندفاع ردت العنود : وع منتس انتي . لاتهرجين على اختي ازين منتس انتي وامتس اللي تلبس البنطلون قدام رجلها انا شايفتها بعيوني .
ردت لها شهد بنفس اللهجه : امي احسن منك ياكلبـه ياحمـارة ياوسخه ياللي ماتنزلين مريولك حق المدرسه .. انقلعي لبيتكم يالله ماابغاك تلعبين عند بيتنا .
: اصلاً الشارع هذا مهوب لابوتس .. هذا حق الحكومه .
: كذابه هذا شارعنا اشتراه ابوي عشان يصير عند بيتنا ..
لحظات وكانت العنود تمسك بشعر شهد وشهد تستنجد وتستغيث بامها وابوها الين جات الشغاله وفكت شعرها من يدين العنود المفترسه ..
قالت العنود : طسي ثم والله ان جيتينا شوي مع امتس اني لاذبحتس واقطع شعرتس كله لين تصيرين قرعه . ووالله لاعلم نوف اختي ماتاخذ خالتس الدب اللي يشرب الدخان . واخليها تاخذ عماد غصبٍ عنتس .
دخلت شهد البيت باكيه بصوت عالي وهي تشتكي على امها وتوصف لها الألم اللي سببته لها العنود بيدينها القوية وبكلامها ..
وفوزية تتحسب الله على العنود وتتحسر على فهد اللي بياخذ اخت العنود المتوحشه ..



***


دخل على امه وهي لابسه عبايتها وتنتظر اول الناس ..
سلم عليها قال : ابطينا ( ابطأنا _ تأخرنا ) عليتس ..؟
: ايه ابطيتوا وراح النهار . انتم علامكم العرب يمديهم ينتظرون من صلاة العصر . والشمس قدها غربت ..
هز ناصر راسه بندم ونظره على الارض قال : الرجال اللي نبي نخطب له معند يقول انتظروا عماد .. وانا والله مهب مرضيني اروح اخطب لفهد وعماد مهوب فيه .. مدري وش خلاني اتهور واوعد الرجال .
: هيِّن عماد مهوب قايلٍ(ن) شي .. عجل بس يمدي الرجال ينتظرنا فضحتونا فيه . اجل ولدك مامشى للحين .
مسك يدها وهي تمشي معه قالت : هو وفواز بيلحقونا .. وبندر اخذ امه وبيمر على فوزية يجيبها معه .
: فهيدان هذا مهوب مستنع دايم يماطل ويمشي على كيفه مير الله يهديه ..
مسح ناصر على راس امه قال بلهجة بارة وحنونة : الله يخليتس لي .. هو مهوب معترض ولا ماطل يقول بس انتظروا عماد ..
ردت بحده : وانه رايحٍ(ن) لفوزية ويقول فكيني من العرس .
تنهد ناصر وهو يتذكر كلام فوزية وترجيها له انه يدور غير بنات لافي ..
قال : فوزية اربكتني بكلامها ماعاد ادري انا مع خطا ولا صواب .
قاطعته : خل سوالف الحريم عنك ليا صارت امه موافقه ماعليك من احد .
: الله يكتب لنا الخيرة .
مضى ويد امه في يده وفضل انه يروح مشي لأن المسافه قصيرة والمشي افيد له ولـ امه ..
نص ساعه وكان مجلس لافي يكتظ بناصر وعياله فهد وبندر وخالد وفواز اخوه وغازي اخو لافي ..!




***



في الطريق الطويل راجعين للديرة بعد مامرت على امها وسارة وسلمت عليهم ..
ساكت ومانبس ببنت شفه ..
الأفكار ارقته من امس
من موضوع لموضوع
ومن هم لهمٍ جديد ..
اول شي هم شادن واقتحامها لحياته ..
ثم السالفه اللي طالعين بها لفهد ..
الا هذي يافهد ماتاخذها وانا للحين عايش واقدر اردك ..
مستحيل ارضى انك ترتبط بنوف بالذات ..
سحب شماغه وعقاله وطاقيته من فوق راسه ورماها على المقعد الخلفي ورجع يركز في الطريق وهي صامته ..
الأفكار ماريحتها هي الثانية
واللي همها اكثر شي ليه معترض على زواج فهد لهالدرجه ..؟
معقول يكون فهد مريض مثله ولا فيه سبب ثاني ..؟
طالعت في الطريق بجنبها وهي تتعوذ من ابليس ووسوسته
عماد لو يفكر بالزواج والارتباط كان فكر فيني
انا اولى من انه يفكر في البعيده وهو مريض ومرضه معدي ..!
سندت براسها على الشباك وسرحت مع الوباء اللي تصيَّد كبده واستقر فيها ..
وش هالمرض ..؟
حاصره وحرمه اقل المتع الزوجيه ..
تذكرت كلام الدكتور وهو يقول : ينتقل عن طريق اللعاب .. وعن طريق ملامسة الجروح او نقل الدم .. والعلاقات الزوجية ..
مسك بريك بقوة وهويشوف ناقة تقطع الطريق بالعرض وتمشي خيلاء و لا مبالاة بدون ماتوقف او تلتفت ..
تلقائياً حط يده على صدرها يثبتها على المرتبه ..
ثبت يده على صدها وهو يطالعها والسيارة تمشي بهدوء قال : ستر الله . وش فيك خايفه ..؟
قلبها ينبض بقوة واطرافها باردة الدم توقف لثواني ورجع يمشي في اوردتها بقوة ... قالت : مو خايفه .. الحمد لله ان ربي ستر .
سحب يده بالقوة قال : المنطقه هذي كلها نياق وياكثر الحوادث اللي تصير هنا .. الله يخزيك ياشيطان اول مرة انسى دعاء السفر .
قالت : لا يكون انا السبب .
ردد بصوت مسموع (بسم الله ، الحمد لله ، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وأنا إلى ربنا لمنقلبون ، اللهم أنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هـذا واطوِ عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل )
ورد عليها وهي تردد اللي قاله في صدرها قال : لا والله مهوب انتي السبب الا سالفة فهد اللي مدري كيف طلعت لي .. الله يسامح جدتي بس .
كمل وهو يطالع في منطقه على يساره : شوفي هذا مكان حادث زميلاتك .
رجعت لها الذكرى الحزينة قالت : الله يرحمهم ويشفي سارة .
: تدرين ان فهد هو اللي ساعد بنت ابومشاري ؟
: ايوه ادري قال لي نايف .. ترى ابو مشاري يدور عليه ويقول اذا جا لجده خلوه يمر عليّ . وهو الله يهديه مااهتم بالموضوع .
: ماتدرين وش يبي فيه .
ردت شادن وهي تتأمل الطريق قدامها بخوف : لا بس اللي اعرفه ان ابومشاري انسان شهم وكريم ويرد الجميل .
عض عماد على طرف شنبه بأسنانه السفلى قال وهو يفكر لبعيد : اها ..
شبكت يدينها في بعض والتفتت عليه قالت بحذر : عماد ممكن اسألك سؤال .
رد بجفاء : اسألي .
: ليه ماتبغى فهد يتزوج ..؟
ماالتفت عليها ولا اهتز منه شي .. قال ببرود : رجال مايبي الزواج الحين ولاابغاه يتزوج بغصيبه مثلي !
مهما كانت تقدر ظرفه الا انها انجرحت وفي الصميم ..
سكتت ..
ماعندها كلام ..!
ولاتقدر على الاعتراض ..
لأن هذا الحق ..
التفت لها وعرف انه جرحها
وسكت ...!
لأن العذر ماراح يجني الا المتاعب
وهو الى الآن مكتفي من المتاعب اللي يعيشها معها وبسببها ..!
كملوا الطريق بنفس الصمت اللي بدوا به ..
ورجع كل واحد لخط افكاره اللي مشى عليها من اول ماركب السيارة ..
اخيراً وصلوا القرية بعد اربع ساعات سفر منهكة ..
فتح الباب بسرعه ونزل ولف جهتها وفتح لها الباب قال : ادخلي و سكري البوابه زين .. الظاهر ان البيوت مافيها احد . واغراضك خليها اجيبها شوي معي .
دخلت البيت وهو رجع لبيت لافي بعد مالبس شماغه يجمع الأفكار اللي قدر يبتكرها لحل الموضوع .




***

في بيت لافي وقسم الحريم ..!

قالت ام نوف مرحبه ومهلية : حيا الله من زارنا ياهلا ومسهلا .. روحي يالعنود خلي خواتس يجيبون القهوة ..!
قالت العنود ببراءة بلهاء : يمه اسأليهم وش يبون ..؟ نوف ابلشتني تقول روحي شوفي وش يبون .
تغيرت ملامح ام نوف فشيلة وحرج قالت : قومي اذلفي نادي خواتس بالقهوة .
ضحكت ام ناصر قالت : ياحليلها الله يصلحها .. هي وش مسويتن بشهد يوم عيّت تجي معنا .
زفرت فوزية بحنق قالت : متهاوشات عند عماد وشادن ...
قطعت كلامها وهي تشوف نوف تدخل بالقهوة على استحياء نزلتها على الارض وسلمت عليهم وهي بكامل اناقتها ..
قالت ام فهد : ياماشاء الله تبارك الله .. انا من متى ماشفت نوف .. من قبل عرس عماد .. حتى العرس ماجوا بناتتس ياام نوف .
تغيرت ملامح نوف للكدر من السيرة الكئيبة قالت امها : ايه يوم عرس عماد كانت نوف تعيبانه واختها قعدت معها .
بعد دقايق دخلت نورة وسلمت بهدوءها ورزانتها وثقتها ورجعت لغرفتها تذاكر لاختبار السبت فيزياء وادب .. ( للعلم معهد المعلمات يجمع بين قسمي العلمي والأدبي اجباري والاختبارات مادتين يومياً )
استمرت الجلسة والسوالف ماقطعها غير العنود اللي وصلت مرعوبه قالت وهي تلهث : يانوف يانوف الحقي .. سكتت تاخذ نفس والعيون كلها عليها .. قالت بصوت متقطع : عمااااد جـ ـ ـ ـا ودخل مجلسنا .. قومي قومي شوفيه تراه بيِّن .
الكل طالع في نوف اللي ذابت خجل ..
وفي لحظة تمنت ان العنود ماخلقها ربي
تمنت انها ماتت يوم ولدتها امها ولاشهدت هاليوم وهالجلسة ..
كانت الوان وجهها تمزج الفشيلة والقهر والغيظ والخجل والاحراج ..
قالت امها : الله يذهب عدوتس يالعنود .. انتي وراتس تروعينا ..
ردت ام ناصر بفرح متجاهلة نوف وحرجها وموقفها ككل : ياربي انك تحييه .. ياربي انك تحييه .. ياربي ان تحييه .. ماهنت لي الجلسة لين جا ..
فوزية الصامته بتعجب كانت تراقب نوف المحبطه قالت : العنود روحي نادي شادن قولي لها تجي .
فرت العنود بسرعة البرق وكأن رجولها الحافية ماتلمس الأرض قالت نوف بتردد وخوف وحيا : هي جات تعلمني لأني سألتها اذا شادن جات ولا لا .
قالت ام فهد بطيبة وعفوية : ايه ميدها ( قصدها ) ان شادن جات .. الله يهيدهم الجيل هذا مايمشي غير وهو طاير ومفجوع ..!
سكتت فوزية وهي تسترجع كلام شادن عنها وتربطه بكلام العنود وبشراها لنوف بوصول عماد ..
وفضلت انها تسكت لأن ماعاد فيه مجال للاعتراض على نوف ولا ايقاف الخطبة ..!
والفاس قد طاحت في الراس ..


***


دخل عليهم في المجلس بهامته وطوله الفارع
وفزوا كل من في المجلس يرحبون فيه ويسلمون ..
سلم عليهم بالدور ووصل لفهد وسلم عليه قال بهمس : احد تكلم ولا للحين .
همس فهد : ابوي توه خطب .
جلس عماد بجنب فهد بقهر ولو بيده رجع الوقت ساعه وحده بس ..
قال : كملوا يالربع كلامكم الظاهر اني قطعت عليكم .
رد ابوفهد : زين انك جيت ياولدي والله مابغيت اخطب لفهد الا وانت شاهد وحاضر مير تعجلت وعساه خير .
سكت عماد وكمل لافي : والله ياابو فهد جيتك على الراس انت ومن معك ولو هي ذبيحه ماعشتك .. البنت باخذ شورها وهي ان شاء الله انها من نصيب فهد . بس الشرع والواجب يقول اني لابد اشاورها .
وفجأة وقف على الباب ببدلته العسكرية ..
عيونه مكتظه غيره وقهر ودفاع المستميت ..
بس اول ماوقعت نظرته على عماد ذاب الدفاع واستحال لاستسلام وهزيمة
وشلون اقدر ارد و اتكلم وهو اللي لبسني هالبدله ..
رفع عماد راسه لحمود اللي دخل لبيت عمه اول ماجا من الطايف في اجازته الاسبوعيه وجا ركض لبيت عمه ماان سمع بالخبر ..!
قال عماد : حيا الله العريف حمود ..
دخل وسلم عليهم كلهم واشر له عماد يجلس بجنبه قال : تعال تعال عطني علومك .. من يوم توظفت ماشفتك .
نزل راسه بحرج واحباط
مستحي من عماد اللي اغرقه بجمايله وتوسط له ووظفه بعد ماتعب نفسياً من كثر ماقدم على الوظايف وشهادته الثانوية ماساعدته على القبول في وظيفه تعجبه ..!
قال : ماقصرت ياابو مشعل والعقيد ابو يوسف كل ماشافني وصاني اسلم له عليك .
ربت عماد على كتفه بحركه تشجيعيه وهو يدري باللي فيه قال بصوت عالي : ياابو نوف ..
رد ابو نوف بحماس : يالبيه ياابو مشعل .
: ترانا ماجينا نخطب بنتك الكبيرة .. هذي عارفين انها لحمود وحنا مانخطب على خطبة اخونا وترى خالي مايدري ان حمود خاطبها .. حنا جايين للثانية طال عمرك ..
طالع في خاله ناصر بنظرة رجا وانصاع ناصر لعماد وسكت بدون أي اعتراض ..
كمل عماد : ويالربع انتم خطبتوا من دون ماتقولون لي .. وانا امس رحت وخطبت للرجال هذا .. اشر على فهد .. واللي خطبت منه رجال مثل هالوجيه وشرواها تاجر واعرفه وعطاني كلمة ووافق على فهد .. العذر من الله ثم منك ياابونوف وترانا شارين بنتك وهي الاولى وفهد رجال يقدر يفتح بيتين وكفو .
فتح فهد فمه متفاجيء وسط ذهول كل من في المجلس ..!
قال فهد : انت وش ..
قاطعه عماد : انا يافهد ماجيتك اليوم ومتعني الا ابي ابشرك وانا اخوك وابي آخذ خوالي نروح نملك في جده . لكن سبقتوني وصار اللي صار وعساها خيرة ..
سكت لافي وتحولت ملامحه من البهجة والفرح للكآبة ..!
فرح بالاولى ونكد عليه عماد وخلاها حليلة لحمود وقدام كل الناس وهي رافضته وراسها والف سيف ولاتاخذه ..
وفرح بالثانية وانكسرت الفرحه في عز مخضها ..! طلع الرجال خاطب قبلها بيوم ..
قال ابو ناصر بوجه محبط وهو يراقب عماد وفهد اللي لغة العيون كانت بينهم وشكلهم متفاهمين .. : الراي رايك ياابو نوف وهذا ابو مشعل علمك باللي عنده قبل لاتوافق البنت ويصير بيننا شيٍ رسمي .. ان بغت تصير حليلة ثانية لفهد ترانا شارين نسبك وقربك .. وان ماوافقت البنت هذا حقها وولدنا عنده المرة اللي اختارها ابو مشعل وبنتكم عسى الله يوفقها ويرزقها باللي يستاهلها ..
تكلم فواز اللي الجمته مفاجأة عماد لدقايق : مانبي نسمع رايك اليوم ياابونوف .. بكرة مثل هالوقت تعطينا العلم .. وانت جارنا ورفيقنا سواء وافقت البنت ولا ماوافقت ..
الكل منصدم ويترقب حتى عماد اللي قلب الموضوع والسالفه رأساً على عقب ..
ماعدا حمود اللي تهلل الفرح في وجهه وبانت تباشيره ..
قال مستغل الفرصه : عمي دام الدعوة فيها خطبه وملكه ترى بنتك الكبيرة اولى انك تملك لها قبل الصغيرة .. وطلبتك ياعمي لاتردني ..
تكلم غازي ابو حمود واخو لافي : حمود طلبك ياابو نوف لاترده ..
قال لافي باحباط : يالربع اصبروا ... العرب ضيوفي وجاييني خطاب ليا جا بكرة يصير خير .
سكت عماد مكتفي باللي قاله ..
حمود هو الأنسب لنوف ..
لابد تتزوج بدل ماتتأمل من وراه خير لها ..!
يدري انها ممكن تتعذب بس راح يكون مؤقت وتنسى وتعيش مع ولد عمها ويجيها ويرزقها ربي بذريه ..
وقف عماد قال : انا استاذن يالربع المغرب اذن ونبي نلحق الصلاة ..
وقفوا كلهم قال ناصر : انا خويك ياعماد ..
نفض المجلس كله وقاموا الرجال ماعدا حمود وابوه اللي تحول كدرهم لفرح ..
حاول لافي يثنيهم للعشاء واعتذروا ... وتركوه ووجهه ساحة من الكآبة والهموم ..!




***



رجعت العنود من بيت عماد ودخلت عند نوف اللي اختلت بنفسها بعد الموقف المحرج واللي عرفت وتأكدت انه ماعدى على فوزية بالسهل ..!
قالت : تكفين يانوف خذي عماد و اقهري شهد .
تحول غضب نوف الهادر الى حلم جميل بكلمات العنود وكأنها سكبت ماء زلال على عطش روحها ...!
قالت بابتسامه : وشهد وش هي قايلةٍ لتس يوم تبيني اقهرها .. وكملت بتلذذ .. : وآخذ عماد ..
ردت العنود وهي تميل على مريولها وتطلع منه فتات خشب علق فيه وآذاها في اسفل ساقها .. : تقول فواز جاي اليوم يخطبتس عشان مرته حليمة مريضة . بس انا قلت والله ماتاخذين اللي يشرب الدخان . ابيتس تاخذين عماد يازينه يانوف لوشفتيه محلق ولابس الثوب العودي ازين واحد بالديرة .
عقدت نوف حواجبها وتقززت من فكرة زواجها من فواز ولا غيره ..!
قالت : اهااااااا الحين عرفت وش جايبهم .. اشوا ان امي ماترضى انا نتزوج على حرمة ..! الله يستر لايبلوني بحمود ولايخيرون بيني وبين العله هذا اللي جا يخطب .
قالت العنود : الحريم راحوا ماقعد الا ام حمود ..
ردت نوف : ازين تلقين امي ردتهم . الا اقول عنود شفتي عماد يوم يطلع وين راح .
جلست العنود وحكت ساقها قالت : احححححححح ايه شفته راح مع خواله لبيته ..
دخلت عليها امها قالت بصوت واطي والحذر والتردد باينه عليها : نوف وانا امتس ترى ابوتس يبيتس بكلمة راس ..
ردت نوف وهي تحط اصابعها على اذانها معلنه حسم الموضوع : يمه اذا عشان ضيوفتس واذا هم خطابين تراني منيب موافقه وماابي العرس عندكم نورة والمقروده هذي ..
قاطعتها امها : ضيوفنا مشوا ولاجوا عشانتس .. جايين عشان نورة .. مابقى غير مرة عمتس وترى ابوتس ارسل للمملك ( المأذون ) يبي يملك لتس على حمود ..
لفت الارض فيها وحست بغثيان وحاجة للترجيع ..!
ارتعش جسدها من راسها لأطراف اقدامها ..
وحطت يدها على صدرها ..
قالت العنود ببراءة وفرح لمجرد الحدث : تكفيييييين يانوف اخذي حمود وخليه يسوي لتس عرس ازين من عرس عماد وشادن ..
التفتت على العنود وكأنها ماصدقت انها تقول كلمه حتى تفش غلها فيها قالت : وش تقولين ياعلَّة .
ارتجفت العنود من شكل نوف قالت : ا ا ا تكفين يانوف لاتضربيني والله ثم والله مااعيدها ..
دورت الملاذ والعذر والحجه وماقدامها حيله غير انها تقول بخوف : يانوف يانوف شهد هي اللي قالته .. اصلاً انا قلت عيب تهرجين في العرس قالت امي .....
مسكتها نوف بشعرها بهيجان وضربتها في كل مكان بجسمها وهي تقول : الله ياخذني قبل آخذه الله ياخذني قبل آخذه .. آآآآآآه .
قالت امها بخوف عليها وعلى العنود اللي نالت من الضرب بغير ذنب اكثر من احتمالها وطاقتها : الله يقطع شرتس .. فكي اختس يالمجنونة .. فكيها .
فلتت العنود من يدين نوف بفعل امها وانحرفت الثانيه لفراشها ملاذها
صرخت صرخة اعتراض ويأس وتعالى صراخها وهي تضرب راسها وصدرها بدون وعي ولاارادياً .


***


يوم ثاني ..!
طلعت من غرفتها ومرت عليه في غرفته قبل ماتنزل لجدتها اللي ماقدرت البارحة تجلس عندها من فهد وبندر لأنهم سهروا عندها لين نامت ..!
رامي نفسه على السرير باهمال والمخده على صدره وخدادية صغيره تحت راسه ..
غاط في نومه وبجنبه دفتر اسود مرمي باهمال وقلم حبر لوّن المفرش ببقعة حبر براسه المكشوف ..
نادت عليه مرتين مارد عليها ..
: عماد .. عدل راسك رقبتك لايجيك شد عضلي فيها .. عمااااد ..
ولاحياة لمن تنادي ..!
تأففت بملل ..
نومه ثقيل والغرفه تجيب لها الكآبة لأنها مااعتادت الكركبة ولا تحبها ..!
مسكت الدفتر الأسود وميزت تجليده الفاخر وتصفحته ..!
كله مكتوب بالقلم الحبر ..
اول صفحة ..!

مـيــلاد يــتــم ..!
شعورٌ مؤلم ان تنشأ بلا ام
وتعيش دون صدر ام
وقلب ام
وخوف ام
واحاسيس ام
وان تفتقد كلمة ام في حياتك كلها ..

مؤلم ان تكبر رجلاً وقد تصبح اباً بلا اب ..!
اليتم في حياتي وصمة الم ..!
وجدتي حصة كانت الشفاء والبلسم لكل آلامي ..!


طالعت فيه نايم وعيونها تمتلي بالدموع ..
نفسها تحضنه وتحط راسه على صدرها
تعوضه وتكون امه اللي فقدها في صغره ..!
ويحتاجها في كبره ..
انتفض صدرها وفتحت الدفتر بشكل عشوائي وشافت صفحة اليمة اخرى ..

الحزن يصر ان يطوقني كالقيد
فقدت امي فرضيت
وفقدت ابي حياً فاقتنعت ..
وفقدت صحتي واستسلمت ..
وفقدت ابوتي فأُنهكت كمدا ..
الحياة مجرد وشاحٌ اسود يحيطني بكآبةٍ مجنونة تكاد تودي بي للتمرد على خالقي فأقبض روحي قبل حينها لولا شيءٌ من ايمان وقليلٌ من صبر ..!



لااااااا ياعماد لا تيأس لااااااا ..


فتحت صفحة وجع مؤرخة بتاريخ قبل سنتين وأشهر ..!

امضيت تلك الليلة في المستشفى بارداً ..
كل اطرافي سكنت وكأن قالب ثلجاً استوطن قلبي وأحشائي ..
الروح مني تهاوت ماان ادركت اسباب علتي واصفراري ..
كبدي ياجدتي موبوءة ..
ياامي واختي نورة مريضة ..
كبدي ياشقيقتي فوزية معتله ..
كبدي ياقطعة كبدي ياصغيرتي شهد ملتهبة
ياخالي ناصر ياأبي ابنك سيموت معتلاً بالوبائي ..
ويافواز الأخ الكبير .. اخوك الأصغر سيدعك تجابه الدنيا وحيد .. وسيفارق الحياة معك ..
ويااحمد الرفيق الحبيب .. عمادك مات موبؤاً ..
تلك الليلة التي ادركت ان مصابي قد اتاني هباءً وعبثا دون سببٌ واضح بعد اسئلة الطبيب الذي اعتاد هذا النوع من الأسئلة وتقبل نتائج الأوبئة والعلل ..
هل نُقل اليك دماً ..
هل اسعفت نازفٌ فلمسته ..
هل مارست الحرام ..!
هل استخدمت ادواتٍ شخصية لأشخاصٍ مرضى ..؟
اسئلةٌ ارهقتني لأن اجابتها كانت نفياً ..
اذاً ياطبيب ماذنبي الذي اقترفت وكل اجابتي لا ..؟
اقسم انني لم اطأ الحرام يوماً
ولم انتهك ماحرم الله ومنعه ..
ولا اتذكر بأنني اسعفت نازف ودامي ..!
ولم استخدم أي اداة لاتخصني
وكل ادواتي من فرش اسنانٍ ومقص اظافر وشفرات حلاقه هي بي خاصة وانا من يستخدمها فقط ..!
فلتخبرني اذاً ياطبيب ..!
كيف اصابني الوباء ..
وكيف تسلل لجسدي واستقر بكبدي فعلق بها ..
بفتور وامتعاضه لامتعاضي واعتراضي اجابني الطبيب بأنه قدرٌ قدره الله عليّ ..!
مؤمنٌ بالله وقدره
وانا من الصابرين بإذنه ..
وكانت ليلتي تلك برداً وعذابا ..




دورت على الصفحات الأخيرة وش يقول وهي في حياته ..!
زواجي المضحك المبكي ..!
كانت ليلةٌ مليئة بالدموع والندم وتانيب الضمير ..
هي امرأةٌ فاتنة
وانا الرجل الجامد امامها ..!
هي تتوهج حباً واملاً وتفاؤل ..
وانا رجلٌ بائس يائسٌ في حياتها ..
عيناها تقول شعراً
وضحكتها تشبه أغنيةٌ فيروزيةٌ حالمه ..
وأنا بحر الحزن الهائج دوماً ..!
اعشقها وأخشاها ..


من هذي اللي تعشقها ...؟؟؟
طالعت فيه مابين يمكن انا ويمكن غيري ..
ومن ياعماد .. !
ونشيجها يعلو لأنها ببساطه ماتقدر تداري الدمع ..
ودموعها تضعفها لثواني
لكنها تظهر الضعف من قلبها وتزرع مكانه القوة والتجلد لبكرة وبعده ..!

فتح عينه وهي ترتجف وتقرا وتشهق ..
ماانتبه للي في يدها لأن دموعها جذبت كل اهتمامه وركز على وجهها وصدرها اللي يعلو ويهبط ..
قام وجلس يبي يتأكد هو في حلم ولا حقيقه ..
فرك وجهه وعيونه يمكن اسبوع الدموع اللي راح مأثر فيه ويتوهم ..
قال : بسم الله الرحمن الرحيم .. انتي وش فيك ..؟
رمت الدفتر من يدها وجات تمشي وحضنته ..
ضمت راسه على صدرها وهي واقفه ..
ماتقدر تقاوم هالشعور ..
استسلم لها لثواني وفك يدينها من عليه وهو يشوف الدفتر مرمي على الأرض ..
لف يدينها على بعض وجلسها بجنبه .. وحط راسه بين يدينه والهم اعتلاه قد السماوات والأرض ..
وقد الكون ومافي الكون ..!
رفع راسه قال بغيض ووجع : قريتيه ..؟
وقفت ورفعت راسه قالت : قرأت اول صفحة .. انت مو يتيم .. انا امك واختك وبنتك .. عماد ..
قاطعها : وش قريتي بعد ..؟
: ولا شي ..؟
صرخ عليها بصوت عالي : قولي الصدق وش قريتي بعد ..؟
مسحت دموعها قالت بتجلد : ولا شي .. اول صفحة وبس ..
وقف واخذ الدفتر ورماه في زاوية الغرفه وهو ثاير قال : اللي دخلك عندي وشو ..؟ انا ماقلت لاتدخلين الا اذا قلت لك .. ولاتحسبين عشاني ساكت عنك الايام اللي راحت وادرايك راضي ولا غيرت رايي ..
كانت جامده مااهتز منها شي ..!
مقدره حاله وهيجانه ..
سره وحس انه انكشف ..!
واكيد انه مصدوم ومقهور ..
صد عنها ورجع طالعها بسرعه قال بصوت اهدى وفيه لكنة رجا : شادن جاوبيني قولي لي وش قريتي بالضبط غير الصفحة الاولى ترى اعصابي ماتتحمل برودك ..
انساب الدمع حار على خدها قالت : عماد ليش انت ماتصدقني ..؟ الدفتر فيه شي ثاني ..؟ عماد ليش انت كذا ..؟ انا ماقرأت الا اول صفحه .. مااحب اشوفك تتكلم عن اليتم وانت مو يتيم .. عندك ام واخت واب واخوان وانا .. انا ياعماد .. عماد ...
قاطعها بوجع : اطلعي اطلعي الله يلعن الشيطان وين نكد علينا في هاليوم ..!
قالت برجاء وترجي : طيب لاتزعل مني .. لاتزعل طيب .. طيب عماد مو زعلان ..؟
حط يده على عيونه وضغط بإبهامه وسبابته على اطراف جبينه قال : اطلعي ياشادن ولاعاد تدخلين الغرفه الا بأمري هذاني قلت لك .. لاتخليني احرقها باللي فيها بسببك .
طلعت بسرعه وراحت لغرفتها وتركته كومة هم ووجع ..!
هذا ذنب نوف ..!
اكيد ربي ينتقم لها منه ..
تذكر حمود ولافي وهم طالعين من صلاة العشا ووجوهم مكتئبة ..
ويوم قابلوه وسألهم وش فيه قال لافي ان بنته الكبيرة وجعت عليهم وودوها مسفر يقرا عليها ..
رجع راسه ورى وعيونه على السطح " ياربي ماسويت اللي سويته الا لأنه احسن لها .. ياربي تدري بالخفايا والنوايا .. ياربي لاتاخذني بذنبها وارزقها واستر عليها وساعدني على بلواي "
قام توضأ وطلع للمسجد وهو صامت ..!
لأول مرة يطلع من البيت مايمر جدته ويتطمن عليها ..!
مر المسجد وصلى الظهر ومشى لجده ..
خلاص البعد هو اسلم طريقه والحل الوحيد ..
وخلاص شادن لابد يلغي وجودها من حياته بس لين يعدي كم شهر حتى مايتكلمون عليها الناس بسبب طلاقها بعد اشهر من زواجها ..




***



في بيتهم الشعبي المهتريء بفعل الزمن ..!
منسدحه في فراشها وجسمها كله رضوض وآثار ضرب السوط المبرح ..
بعد حالة الهيجان اللي صارت لها ابوها لبسها عبايتها ووداها لمسفر ..
ومسفر الرجل الملتحي على غير هدى ..
اول ماشافها تبكي قال : متلبسها جني وعاشقها واذا جات سيرة العرس يغار ويخليها تمرد عليكم ..
والحل عنده هو السوط والرفس والتوبيخ والكلام البذيء ..
والقرآن مجرد اداة ودعوة للناس وتغليف لفعله .. والعياذ بالله ..
صرخ عليها وزمجر وهو يقول بدون ترتيل كما امر الله وبدون هدوء حتى يكون علاج النفس وراحتها لاخوفها وزعزعتها ( قل اوحي الي انه استمع نفرٌ من الجن ...) وضربها بسوطه وهي تصرخ مابين الم مشاعرها وجسدها ..!
اطلع منها ..
اطلع اختار اصبع يدها ولا رجلها ..
ويضرب بسوطه اللي اعتادته جلود بعض نساء القرية والقرى المجاروة وبعض المناطق البعيده ..
ويخشاه الكثير ..!
صرخت بعد جهد وتعب مضني بصوت ذبلان : طيب طيب .. طلعت خلاص فكوني خلاص طلعت .
تنفس بعمق وارتياح قال بانتصار كاذب : ابشركم انه طلع ... هي تصلي ولا لا .
قالت امها اللي مابقى من دموعها شي على بنتها اول الفرحة : ايه تصلي الفروض والنوافل ماقد خلتها .
رفع صدره قال بتكشيرة كبرياء : ايه هذا جني مسلم .. لو انه كافر كان ماصلت ..
رد ابوها بألم : ياشيخ وش يرده لايعود لها .
فتح عيونه الجاحظة تحت حواجب كثيفه ومتقاربه : زوجها زوجها .. مافيه حل الا انك تزوجها قبل يرجع .. هو خايف هالحين من الضرب وان هدى جسدها ماتزوجت رجع ..!
هز الأب راسه وهو يلتفت لزوجته المحتشمه تحت عبايتها ومو باين منها شي قال : ان شاء الله ياشيخ .
طلع وهو يسندها .. صوتها تعب وانينها فتر ..!
" الله لايعيدها من خطبة اللي نغصت علينا .."
قالته امها وهي تسند نوف من الطرف الثاني..

تحركت نوف والكابوس اللي امس بكل مافيه يزيد آلامها بدءاً بالمملك ومروراً بسوط مسفر وانتهاء بحكم ابوها اللي اتخذه خوفاً عليها وماقدرت تقاومة خشية مسفر وطاريه ..!
قربت منها امها قالت بحنان : نوف قومي وانا امتس اخذي حبتين بندول ..
اخذت الحبتين وشربت وراها موية وطالعت في اختها اللي تذاكر بصمت عند راسها قالت بضعف وألم : نورة روحي ذاكري في غرفتس منيب نافعتس .
قالت امها : خليها هي تقول مرتاحه .
قالت نورة : يمه ابوي قال لهم على رفضي .
هزت امها راسها قالت : ايه قال لهم .
طالعت نوف في امها باستغراب وهي ماتدري وش السالفه الا ان فهد خطب نورة قالت : ليش ترفض نورة يمه فهد مافيه شي حتى ترفضه ..
قالت امها : عماد يقول انه قد خطب لفهد قبل يدري عن خطبة اهله منا .. ويقول نبي بنتكم ثانية ..
سردت لها امها السالفه بالتفصيل وردة الافعال سواء لها هي ولا ابوها ولا حمود ولا ام ناصر اللي سكتت باقتناع ان عماد مايسوي شي الا واكيد انه صحيح ..!
كانت نورة تسمع الكلام وهي فاهمه مقصد عماد وانه مايبي قربهم لأن نوف في نظره ماتصلح لهم حرمة وخواتها اكيد مثلها ..!! بس اخفت كل هذا بقلبها حتى ماتزيد جروح اختها جروح .. !!!
سندت نوف براسها على مخدتها ونزلت دموعها وبقلبها " مايبي اختي لولد خاله من كثر مايكرهني آآآآآآآآآآآآه "
غمضت عيونها على الدمع اللي فاض وامها واختها في صمت وحالة مؤسفه وآسفة ..!



***


اسبوعين الاجازة الفصلية مرت وهو في جده ..
كل ماسألتها جدتها عنه اعتذرت وقالت انه مشغول وقايل لها عن غيابه وهي عاذرته ..
لولا ان فهد يطمنهم عليه ولا كان تجننت وشكت انه مريض وطريح فراش ..
مو من عادته يتأخر كل هالوقت ..!
غمضت عيونها وزفرت بقهر لأنها هي وتطفلها ولقافتها السبب ..
قالت فوزية اللي وصلت في التو واللحظة : سلااام ياهوو محد يلومك على الحالة تأخر حبيب القلب .
ابتسمت لعمتها بحزن وقامت سلمت عليها قالت : ايه والله تأخر وحشني ..!
فركت فوزية اذنها بمرح قالت : نعم نعم نعم .. لو سمحتي عيدي ابغى اتأكد من اللي سمعته ..!
ضحكت شادن من حركتها قالت : تعالي بس اجلسي مسوية حلا وشكله بيصير من نصيبك .
: غير حق امس .
قالت باحباط : غيره بس لعيونك ياعمتي العزيزة .. زمت شفايفها وكملت : كل يوم اسوي حلا اقول عماد بيجي ..
: عماد هذا مرة زودها ..!
قامت للمطبخ تمشي بتثاقل قالت بصوت عالي وصل لفوزية : عمتي لوسمحتي ترى ماارضى عليه ..
لحقتها فوزيه قالت : والله لو اني ماابي يصير لامي شي كان اعلمها على حركاتها .. اجل مشغول وكل شوي يقول ابي اجي واعتذروا لي منهم وهو خراط ماعنده سالفه الا بس يبي يشوفك وانتي تشتاقين له وتنتظرين ..
حضرت شادن حلا التوفية بالجوز ومحشية ببسكوت مكسر قالت : عمتي اذا تعزيني لاتجيبين سيرة عماد ورجاءً محد له دخل بيني وبين زوجي ..
ردت فوزية بلامبالاة ممزوجه بغضب : قلعتك انتي وياه .. انا ابيك تكونين حريصة على حياتك وانتي بكيفك ..! المهم هذا كيف سويتيه ..
قالت شادن بهدوء حزين : توفيه عادية بس في الوسط بسوكت شاهي مكسر لقطع صغيرة ..
اكلت منه قطعه قالت : مممممم لذيذ ..
قاطعتهم شهد وهي جاية من برا : ملييييييييييييت طفش طفش طفش .. ابغى احد يلعب معاي .. سامر موفيه والعنود ماتطلع من بيتهم خايفه من جني نوف يجي فيها ...
قاطعتها شادن : شهد .. اش هالكلام .. لاتقولين جني وكلام فاضي نوف مافيها شي .. والشيخ هو المخرف أي احد يجيه زعلان قال فيك جني .
قالت فوزية : شهد روحي غسلي يدينك ووجهك بعدين العنود هذي اللي يوم تصالحينها ويوم تهاوشينها فكينا من سيرتها ..
راحت شهد تغسل و التفتت فوزية على شادن وقالت : انتي تدافعين عنها وهي بغت تموت على زوجك هذاك اليوم ...
قاطعتها مرة ثانية وبعصبيه : خلاص ياعمتي فكينا من سيرتها هي الثانية كمان لانغتابها وناكل لحمها البنت بتتزوج وتروح في حالها وماعاد منها خوف ولا قلق .. بعدين عماد مايفكر فيها وهذا اللي مريحني .
رفعت فوزية حاجبها باستغراب : اووووف ضامنته ياشدون .
ردت شادن وهي تمد عليها طبق الحلا : وفي جيبي كمان . بس خليك من عماد ومن جارتنا المسكينه والله حزنت عليها نهاية الاختبارات .. لولا اني اخاف انها تعتبر زيارتي شماته كان زرتها .
ضحكت فوزية وهي تطالع وراها وغيرت الموضوع قالت : ياحبي لك ياشادن .. اجل ضامنه ابو العيال .. وش اسميه هذا حب ولا .. غمزت وقالت : عشان مشتاقه .
ردت شادن بضحكة مصطنعه : والله تقدرين تقولين حب وشوق كلها مجتمعه ..
قطعت كلامها على صوت شهد اللي جات تجري بسرعه وهي تضحك بصوت عالي قالت : عماااااااااااااااااااااااااد .
فتح يدينه لشهد وحضنها وعيونه على شادن ..
جملتها الأخيرة وقفته بمكانه دقايق .. ونسته شوقه لشهد ..
قال بصوت هادي : هلا ياشهد وش فيتس صايرة مزعجه .
باسته شهد على خده بقوة وهي تقول : عشان كنت طفشانه .. عماد جبت لي هديه ولا لا .
: ايه شوفيها مع الاغراض اللي جبتها ..
وقفت فوزية وراحت سلمت عليه ..
وشادن بمكانها ..
مشتاقة له ..!
وفرحانة برجعته ..
حتى لو مو عشانها المهم انها تطمنت عليه ..!
قال هو يشيل شهد : اخخخخخخخ كسرتي ظهري ياشهد ؟؟ صايرة دبه ماعاد اقدر اشيلتس ..
عورها قلبها عليه قالت بلهفة : شهودة تعالي بعطيك حلا .
نزل شهد ومد يده عليها وسلم على خدودها ببرود اتقاء لنغزات فوزية وخشية شكها قال : وشلونتس ياشادن .. عساتس مرتاحه في الاجازة ..؟
هزت راسها وهي تبتسم : الحمد لله .. انت كيفك مرة طولت هالمرة ..!
نزل شماغه وعقاله وجاكيته قال : انا بخير .. جدتي وين مالها حس ..؟
: تصلي العشا .
طالع في ساعته قال : ماشاء الله .. اجل يالله انا بقوم اصلي واجلس معها شوي قبل انام وترى بكرة بيجيني ضيوف الله الله بالشغل الزين لااوصيك .
قالت فوزية : من بيجيك ..؟
: ناس من معارفنا .. طالع في شادن قال : ترى فيه حريم بعد بيجون .
قالت فوزية : بالله عليك من ..؟
: بكرة بتعرفين المهم ابيتس ياام فيصل عندي من قبل العصر ..
: ان شاء الله .
طالع في شادن قال : شادن غرفتي يمديها مليانه غبار ... قطع كلامه وهو يرفع حواجبه يستدرك الجملة اللي قالها قدام فوزية ومسد جبينه باطراف اصابعه قال لشادن : غرفتي فيها غبار وانا ابي لي منها اغراض روحي نظفيها بالله على بال مااصلي العشا .
اخذت المفتاح منه وطلعت فوق وهو راح لقسم الرجال ..
صلى ورجع لجدته اللي رحبت فيه وهلت ..!
اعتذر من تأخيره ونسب الشغل للسبب وانه ارتبط بمواعيد مع ناس مهمين ..!
ربع ساعة مر من الوقت وهو يسولف مع جدته وفوزية وجدته تلومه على غيابه وترك زوجته وفوزية تأيدها وتزيد اللوم ..
قام قال : انا مانمت من امس .. بروح انام وراي بكرة شغل ..
طلع وجدته تقول : الله يعينك ياوليدي وياجعله نوم العافية ..
طلع وفي نيته انه راح يتجاهلها لمصلحتها بنظره ..
ولأنه قرر انه يبتعد عنها قدر الامكان لين وقت معين وينقلها لجدة ثم يعطيها حريتها ..!
وصل غرفته وشم ريحة عطرها تملا المكان ..
شافها تبخ من العطر على المفرش والمخدات والخداديات الجديده اللي طلعتها له وفرشت بها سريره ..
التفتت عليه وطالعت في الأرض بحرج قالت : عماد انا آسفه .
نزل ثوبه وعلقه وعدى من عندها وهو يقول : اذا طلعتي سكري الباب وراك .
: اذا طلعت .
التفت عليها قال : ماقصرتي ومشكورة ويالله تصبحين على خير .
جات تمشي عنده قالت : عماد لسه زعلان مني .. والله آسفه .
قربت منه وسلمت على جبينه قالت : لاتزعل مني .. انا عارفه اني غلطانة بس لاتزعل .
بكل مرة تغلبه ..
وهو اللي يحسب نفسه قد اللي قرره ..
تنهد بقوة وتمدد وتغطى قال : ماني زعلان منك .. وراضي ياشادن واذا فيه احد غلط فهو انا ..
بس اطلعي وسكري الباب الله يرحم ابوك تعبان وهلكان ..
: تعبان .. اجيب لك الدوا حقك ..
قاطعها : لا مشكورة بس خليني ياشادن ..
ابتسمت بانتصار وطلعت بسرعه وكأنها حققت انجاز ..
طفت النور وقبل ماتطلع قال : شادن .
: هلا .
: بكرة مسوي لك مفاجأة عساها تعجبك .
ماحبت تزودها وتطول بالكلام معاه قالت بفرح : ممم اوكي بنتظر بكرة على خير ..
سكرت الباب ونزلت لعمتها والفرح على وجهها بادي ومرسوم

..
وتحت طلعت فوزيةمن عند امها تدور شادن تبي تفهم منها بعد ماحست ان الجو بينها وبين عماد مشحون رغم انهم حاولوا يبينون ان الوضع عادي وطبيعي ..!
ودخلت شهد عند جدتها وهي تتأفف ..
قالت بعصبيه : جدتي خلاااص انا زعلت من ولد خالتي .. مااحبه مااحبه .
ردت ام ناصر باستنكار : ياوجه الله علامتس عليه .. ماجاب لتس هدية .
رفعت نظرها فوق بملل وزعل قالت : الا جاب لي بس زعلانه لأنه ماينام مع شادن في غرفتها زي بابا وماما ومايكلمها كثير ... كل شوي ... وقلدته : شادن تعالي رتبي غرفتي .. شادن غرفتي كلها غبار مااقدر انام فيها .. وهي بس ترتب غرفته وتسوي له حلا وتهتم فيه بس هو مو حلو .. خلاااص زعلت منه . بكرة قولي له لاتكلم شهد عشان هي زعلانه منك ..
كانت ام ناصر شاكه في الوضع والحين جاب لها جهينة الخبر اليقين ..
قالت : انتي وش يدريتس انه ماينام معها في غرفتها ..؟
ردت شهد : من زماااااااااااااااااااااااااااااان قبل العيد اللي لبست فيه فستاني الابيض تعرفينه ..
هزت ام ناصر راسها بإيه .. وكملت شهد ... : كان عماد ينام في غرفته وشادن في غرفتها الجديده الحلوة هذيك ..
تلاشى كلام شهد وام ناصر تفكر بغضب وتتذكر بعض المواقف والنظرات والكلمات اللي شككتها بعلاقتهم وياما حاولت تتجاهلها وتتجنب التفكير فيها ..
قالت بصوت مسموع بنبرة غاضبة وحاده : بنت خالد تضام في بيتي وانا حية وموجودة .. بنت خالد تضام وانا اللي حالفه مايشوفون الضيم وانا جدتهم حيةٍ(ن) لهم .



***


رجعت من المدينة مضطرة عشان موعدها في المستشفى وبنفسية اريح واهدى نوعاً ما ..!
قالت لمشاري اللي حاول يوقفها ويسندها تمشي على رجلها لأن الدكتور قال بعد شهر حاولي تمشي على رجلك وتحركين العضلات ..!
الجو في حوش البيت والشتاء في جده ربيع .. خاصة من بعد العصر ..
حاول مشاري يخليها تعتمد على نفسها والعكاز قالت بألم : آآآه مشاري مرة مااقدر امسكني بطيح ..
مسكها مشاري بسرعه قال : مايصير كذا .. لازم تعتمدين على نفسك وتعودين نفسك على الحركة ..!
دق جوال مشاري وشاف رقم ريهام ... قال : سارة اجلسي هنا وانا بكلم ريهام مزعلها امس ولي ساعتين ادق عليها ماترد .. بصالحها وارجع لك . لاتتحركين لين اجيك ..
جلسها على الدرجات القصيرة اللي توصل لقسم الرجال وراح يمشي لآخر الحوش وهو منشغل بمكالمة خطيبته ..!
حاولت تفتح العصير بيد وحده وماقدرت واضطرت انها تنتظر مشاري يجي يفتحه لها .. واخذت جوالها تقرا الرسايل اللي اغلبها من صاحباتها في الجامعه يتحمدون لها بالسلامه ..

***

اليوم دق عليه مشاري وقال ان ابوه يدوره ويقول ضروري يجي ولا جاه بنفسه في شقتهم ..!
ماحب انه يماطل ويتهرب اكثر من كذا ..
وقرر انه يروح لابو مشاري ويشوف وش عنده خاصه ان عماد حثه على مقابلته وقال له ان الرجال كريم وشهم ومايبي غير انه يرد لك جميلكمعتمد على كلام شادن عنه ..
حتى نايف كلامه نفس كلام عماد ..!
وصل بيت ابومشاري ودق جرس الانترفون ..! ووصله صوت الشغاله بعد ثواني ..
: مين ..؟
: ابومشاري فيه ..؟
: مستر مشاري موجود .
: خليه يجي ..
فتحت البوابه وقفلت السماعه وراحت تدور مشاري ..!
انتظر فهد ثواني وهو يسمع صوت مشاري قريب وشكله يكلم في الجوال ...
دف البوابه .. بشويش وحذر ..
مستحي وطفشان من الوقفه ..
وكل مادق على جوال مشاري حصله مشغول ..!
اول ماانفتح طرف البوابه لمحها جالسه على الدرج ..
يدها ملفوفة بجبس وطرف ساقها الممدود بجنب العكاز عليه جبس ..
رد الباب بهدوء وهو يلوم نفسه ويوبخها وشلون تجرأ وفتح باب الناس ورجع لسيارته ..!
والذكرى تمخر افكاره وتفكيره ..
شكلها وكلامها وبكاها ودمها وتأوهاتها وألامها ..
وسعود بينهم ..!
فتح مشاري الباب وهو في سيارته وناوي يمشي ..
اثناه مشاري عن عزمه ونيته ورحب فيه واعتذر بأن الشغاله ماتدري وين مكانه وان ابوه متلهف لشوفه وجيته ..
استوقفه دقايق بحجة انه بيدخل اخته داخل البيت لأنها ماتقدر تمشي لوحدها ولازم يساعدها وقدر فهد وانتظر دقايق .. ثم دخل ..


***












فصلٌ خامس عشر ..



~~ باللقا هلت تباشير الفرح ~~



***

رغم انه تذكرها بوجع واعادت له طيف سعود وذكراه
الا انه حمد ربي وهو يشوفها بخير ..!
وحس بنشوة سعاده انه مشارك في نجاتها ..
دخل المجلس مع مشاري وبعد دقايق كان ابو مشاري عندهم ..
رحب وهلاّ وكأن اللي زايره شخصية اجتماعيه هامّة ويستحق الحفاوة والتكريم ..
في البداية كان يتكلم برسمية بحته وهو يسأل عن الحال والاخبار
بس بطيبة مشاري ومعرفته وصحبته له انقلب الجو لسوالف ودية ..
قال فهد لمشاري مستغل دخول ابومشاري لداخل البيت : اقول يامشاري ابوك وش يبي مني لي ساعتين جالس ماكلمني في شي .
: اصبر يارجال بعد العشا بيقول لك اش يبغى ..!
عدل فهد جلسته وهو يطالع في ساعة جواله : وش عشاه اللي يخليك لي .. انا وراي شغل منيب فاضي .
: عاد ابوي مسوي لك عشا مايصير تروح وتتركه .
حاول فهد يعترض واقنعه مشاري ان مافيه فايده من اعتراضه لأن العشا انتهى امره ..
ساعه ثالثه وبعد صلاة العشا كان مجلس ابو مشاري مكتظ بالضيوف ومن ضمنهم نايف ..!
عرَّف ابو مشاري على فهد بأنه اللي ساعد بنته في الحادث وان للرجال هذا جميل عليه ودينه في رقبته ليوم الدين ..!
قال فهد برزانه وثقه : الله يسلمك ياابو مشاري الله اللي ساعد بنتك وربي كاتب لها النجاة على يدي ولا يد غيري .. وانا ماسويت غير واجبي واللي املاه علي ضميري وديني ..
جلس فهد بتوتر ونايف بجنبه ..
قال لنايف بهمس : والله لودريت انه بيسوي كذا كان ماخليته يشوف وجهي .
قرب نايف منه وهمس : وسع صدرك يارجال اللي سويته تستاهل عليه اكثر .. بنته الوحيده وماتبغاه يفرح بنجاتها .
سكت فهد وهو يسترجع صورتها اللي لمحها ..
ويتذكر شكلها وجلستها على الدرج وجوالها في يدها ..!
شعرها البني بأطرافه الصفرا من اثر صبغه قديمة ..!
وجسمها النحيل وهي جالسه على الدرجات ..
هذا اللي قدر يلمحه من شكلها اليوم ..
بس اللي حفظه منها في الحادث كثير ..
رغم ان ملامحها كانت دامية وحزينة وبائسة ومفجوعه ..!
الا انها رسخت في ذهنه وثبتت .
انتبه لنايف وهو يقول : ترى مشاري يكلمك .
رفع راسه لمشاري قال : سم ...
اعاد مشاري جملته : اقول ماطلعت للبر ولا الشتا محد يطلع فيه .
تنهد فهد وهو يتذكر البر قال : الله يذكر ايام البر بالخير راحت حلاتها مع اللي راح ..!
اشر نايف لمشاري يعني اسكت واكتفى مشاري بـ : الله يرحمه ..
مر الوقت ،، والسوالف في مجلس ابومشاري عامرة ..
وصار العشا جاهز ..
قال ابو مشاري بصوت جهوري سمعه كل من في المجلس : تفضل ياابو ناصر حياك الله .. تفضلوا ياجماعه الله يحييكم .
وقف فهد والعيال معاه وجلس في صدر المقلط اللي حضروا فيه العشا ..!
وبعد العشا بدا المجلس يخلو من الضيوف لحد مابقى فهد ونايف ومشاري ..
وقف فهد وهو يقول : يالله ياجماعه اسمحوا لي ...
قاطعه ابومشاري : اجلس يافهد ابيك بسالفه ..
انصاع فهد لامر ابو مشاري وجلس .واستخرج ابو مشاري من جيبه ورقه مدها عليه وقال : هذي اقل هدية اقدمها لك يافهد بعد اللي سويته معاي .. والله اني احترت ماادري وش اعطيك لكن ان شاء الله انها افضل من غيرها .
اخذ فهد الورقه المستطيله اللي محد يجهل شكلها ..
بس انذهل وهو يقرأ العدد المدون في الشيك 300 الف ريال ..
رجع مده على ابو مشاري وهو يقول : الله يسامحك ياابو مشاري مهيب هقوتي فيك ....
قاطعه ابو مشاري باليمين اللي حلفه : والله مايرجع وانه حلال عليك .
طالع فهد في مشاري ونايف قال : مابغيت هالتصرف منك ياابو مشاري .. وانا يوم ساعدت بنتك مهوب لأنها بنتك ولا لأني اعرفكم .. أي احد مكانها كان شلته في سيارتي ووديته المستشفى ...
كمل مشاري : وتبرعت له بدم رغم انك مريض وتحتاج دم .. وتقطع به مسافة 250 كيلو وانت صايم وتعبان .. وتجلس في المستشفى لين تطمن عليه وتبشر اهله انه حي ونجاه ربي .
قال فهد بلهجة حاده : اكيد اني بسوي هالتصرف مع أي احد سواء اختك ولا غيرها .
رد ابو مشاري : وشي طبيعي تنال جزاك من اهل اللي ساعدته .. الموضوع انتهى يافهد والمبلغ قليل ومو حقك ..
سكت وهو يشوف فهد يشقق الشيك لقطع صغيرة قال : انت حلفت مايرجع لك .. وانا رجالٍ مااخذ على الواجب اجر ياابو مشاري ..
وقف وكمل : كرمكم الله .. اسمحوا لي بمشي .. ويالله اشوفكم على خير .
فز مشاري ومسكه بيده قال : ترى ابوي مايقصد يهينك .. ابوي فرحان بسلامة اختي .. ماتدري هي وش بالنسبة له ونجاتها عنده تسوى الدنيا ومافيها .
هز فهد راسه وسلَّم على راس ابو مشاري اللي ماتحرك من مكانه قال : انا عارف وش يقصد وادري ان نيته خير وهو بمقام ابوي ماازعل منه ..
وقف ابو مشاري وربت على كتف فهد قال : لو اخذت الشيك يافهد كان ريحتني .. انا حالف ان قامت سارة بالسلامه ......
قاطعه فهد : هالشيك بدل ماتعطيني اياه عطه مساكين ومحتاجين واشكر ربي انه منّ على بنتك بالسلامه .
قال مشاري : من هالناحيه ابوي ماقصر ...
قاطعه ابوه وسكتّه بلهجة حاده : مشاااااري .. التفت لفهد قال : ياولدي الواحد اذا ماشكر ربه اول شي ليه اجل يشكر الناس ..
قطع عليهم جوال مشاري الكلام وهو يكلم ريهام بهمس ويلوذ بجواله عن عيونهم لداخل البيت ..
قال فهد : يالله اسمحوا ..
: الله معك ياولدي ولا تقطعنا .
: ان شاء الله .. كرمكم الله ويالله مع السلامه ..!
وصله ابو مشاري للبوابه وودعه بذات الحفاوة اللي استقبله فيها ..




***




احياناً الحياة تأخذ الفرح منا عنوة
لكنها ماتلبث ان ترده قاصدة ومترصده ..!
وجمرة الغياب تشعل نار شوقٍ بأقفاص الصدور
تلهب القلب بأوردته وشرايينه وأذينه وبطينه ..!
هي ...!
قد اضناها الفراق ..!
والنار بقلبها سعير ..!
على من غيبهما الموت ..
ومن ابعده عنها السفر ..!
ورحلة عمرها ..
كانت شقاء وقليلٌ من افراح ..!!!

جالسه في صالتها .. سالفة شهد اللي قالتها لها ماخلت جفنها يغمض طول الليل ..!
وعماد من اصبح وهو طالع برا يقول ان عنده شغل ..!
والحين العصر مارجع ..!
وصفحة الحساب لابد تنفتح ..
الا الظلم ماتسمح به في بيتها ..
والا ان شادن البنت الأصيلة تنقهر وتداري قهره ..!

..


في هاللحظة كانت شادن واقفه في المطبخ وتشتغل بهمه وحماس ..!
طلعت صينية الفطاير من الفرن وحطتها على الطاولة بحذر ..
قالت للشغاله : لسلي طلعي الفطاير حطيها في الحافظة الكبيرة واقفليها .. انا بطلع وارجع بعد شوي ..!
ولعت على الجمر وغسلت يدينها وطلعت للصاله ..
مرت من عند جدتها اللي مو على عادتها تطفي الراديو وتسكت بدون ماتسولف معاها وتكلمها اما عن حديث ولا عن سالفة في الديرة ولا سالفه قديمه تسردها عليها منها تعيد الذكرى ومنها تسليها وتضيع الوقت ..
قالت شادن وهي تقرب من جلسة جدتها : جدتي فيك شي .. اليوم منتي عاجبتني ..تحسين بشي ..؟
ردت جدتها بفتور : لا ابد مافيني غير العافيه .. الا رجلتس وين راح ؟.
مسحت يدينها بمنديل قالت : ماادري صحيت ماشفته .
ردت ام ناصر بلهجة حاده : اجل انتي تشوفينه ولا تدرين عنه ..؟
زمت شادن شفايفها قالت بمرح : ادري ادري اش تقصدين ؟ يعني عشان رجع بعد اسبوعين واول مارجع نام والصباح خرج من بدري .
ابتسمت بتودد لجدتها وكملت : مممم تدرين ياجدتي ان عماد البارحه قال لي انه عامل لي مفاجأة حلوة ..
ردت ام ناصر بتشاؤم وبنفس اللهجة الحاده : الله يكفينا شره وشر مفاجعاته .. هو متى يجي بس ..؟
طالعت شادن في الساعه المعلقه على جدار الصاله وهي تحاول تمسك نفسها ولا تضحك من كلمة ( مفاجعاته ) اللي قالتها جدتها ..
قالت : اوووه ياجدتي بروح البس قبل الضيوف يجون .. انتي خلاص جاهزة ؟.
هزت ام ناصر راسها بإيجاب وهمست بـ : إيه خلصت .
وبسرعه راحت شادن تجري مع الدرج ..
تحممت بعد اليوم الحافل بالعجين والسكر والشكولاته واللي لطخ جسمها وملابسها
حتى شعرها ماسلم ..!
بعد ماطلعت ..
جففت شعرها ولبست تنورة قصيرة من الصوف كاروهات الوانها بين البيج والبني المحروق وتحتها بنطلون بني جلد ومبطن بقماش قطني .!
وعليه بلوزة بكم طويل وياقة طويلة لونها بني وضيقه على جسمها النحيل ..!
وبسرعه قصوى عملت مكياج هادي وبسيط الوانه بدرجات البني وختمته بكحل وماسكرا وروج بني ولمعه بنفس لون الروج ..
تعطرت ونزلت بعد مامشطت شعرها وتركته مسدول بحريه وحطت على اكتافها شال مشغول بالتريكو بلون بيج وأطرافه بنية ..!
قابلتها فوزية بعد ما نزلت الاغراض اللي جابتها معاها في المطبخ ـ قهوة وصينية حلا وبيتزا ـ ..!
وسلمت عليها وقالت : ها ماقال لك عماد متى بيجون ضيوفه ..؟
ردت شادن ببراءة : لا ماقال بس الحين يجي ويقول ..
ردت فوزية باستغراب : الحين يجي ..؟ ليه ماشفتيه وهو طالع لك قبل ربع ساعه يقول بتروش والبس ..
تغير لون شادن قالت بارتباك : ها لا ماشفته انا كنت ….
قاطعتها ام ناصر : ايه تلقينه في حجرته ماراح لحجرة شادن .
ضحكت فوزية وشادن مصدومة ومذهولة من جدتها قالت فوزية باستخفاف : ليش هم مو عايشين بغرفه وحده ..؟
ردت ام ناصر بلكنة غاضبة : انشديها ( اسأليها ) عندتس ..!!
ابتسمت شادن ووجهها يكتسي حمرة احراج وارتباك قالت : تلاقينه حصلني اتحمم في الحمام وماقدر يستنى قام راح لغرفته .. القديمة .
رمقتها جدتها بنظرة عدم رضى قالت فوزية : هذا هو .. جبنا سير الئط ..
طالعت شادن فيها بنظرة تهديد وقالت وعلى وجهها ابتسامه : قصدك الذيب وجا على طاريه .
نزل من الدرج بثوب اسود وغتره بيضا وهو يلبس ساعته الفضية وريحة عوده المعتق سابقته ..
قالت فوزية : واااااو ماشاء الله تبارك الله .. وش سالفتك انت وحرمتك اليوم كل واحد يقول الزين عندي .
طالع في فوزية هو يجاهد تجاهل شادن الواقفه وراها قال : شهد وين مااشوفها ..؟
ردت فوزية وهي تضحك : ياخي شهد ذي عليها افكار .. كل شوي مطلعه ثلاثه فساتين وتحتار بينهم وتعد اللي يجي عليه العشرة تقول ابي البسه ..وماخلت شي في الدولاب الا وطلعته .. عاد جيتك وهي مارست على شي تلبسه وخليت الشغاله معاها .
انسحبت شادن بهدوء وفوزية تتكلم وراحت للمطبخ ..
ورد عماد على فوزية وهو يضحك بصوت خفيف : ياحبي لها هاللي ذوقها صعب .
التفت على جدته قال : الغاليه علامها ساكته عسى ماشر تحسين بشي .
ردت ام ناصر بزعل : مافيني شي .. بس اذا راحوا ضيوفك لي معك كلام انت ومرتك .
ضحك وهو يطالع في ساعته قال : هههههههههههههههه اذا رااااحوا يالله في العافيه …!
وصلتهم ريحة العود من جلس الرجال ..
والتفت عماد على جهة المجلس قال : عز الله حطته في وقته .. يالله بروح انتظر الناس برا ..
توجه للبوابه وغيرت خطواته مسيرها تحثه للمجلس لاارداياً ..!
وقف على الباب وهي تدور بالمبخره الذهبيه الكبيرة وتمرره على الستاير والوسايد والزوايا ..والمكتبه ..
لحظات مرت عليه يتأملها بدون شعور ..
شكلها آسر يسر الناظرين ..
وشعرها رغم قصره الا انه عليها يشبه الليل بسواده ..!
انوثتها تفيض على المكان سحر يخلب الألباب ..
التفتت عليه قالت متفاجأة : عماد .. كويس انك جيت عشان ابخرك قبل يخلص .. ابتسمت له وكملت : ولو ان ريحة عطرك احلى بس لازم ابخرك .
قربت منه وبخرته وهو ساكن وساكت وحاط يدينه على اطراف الباب قالت بجديه : عماد ترى جدتي قاعده تلمح بكلام قبل شوي عني انا وانت شكلها زعلانه ..
اخذ المبخرة منها ونفخ على الجمر قال : انتي ماقلتي لها شي .
: لا طبعا مستحيل اتكلم مع احد عن حياتنا .
: الله يستر بس لاتشك بشي ثم تزعل ……
قطع كلامه وهو يسمع صوت الجرس قال : هذا هم وصلوا .. مد عليها المبخرة وعطاها ظهره .. رجع التفت عليها قال : ان شفت دموع ياشادن ياويلك مني ..!
طلع مع قسم الرجال وهي راحت لجدتها وفوزية تبلغهم بوصول الضيوف وبداخلها خايفه من سيرة الدموع ..!



***


جالسه في غرفتها لوحدها وساكته
افكارها تعبانه من التفكير ..
والاسبوعين اللي مرت عليها كفيله انها تشبعها ارق وإرهاق
الصمت انيسها وجليسها ..
والوحده مطلبها وغايتها ..
ماتبي تفكر بشي يتعب ..
لاحمود ولاعماد ولا الكابوس مسفر اللي قلب لها حياتها في لحظات ...
اكتفت بالتدقيق في رسمة ورود صغيره على بطانيتها ..!
نفسها تمسك ورده حمرا وكبيرة ..
نفسها تشم ريحة الورد الطبيعي ..
عمرها وبحياتها ماشمته ولا لمسته ولا مسكته ..!
تذكرت الورده الحمرا الجافه اللي بين طيات دفتر خلود حق التحضير ..
بس استحت لاتمسكها ولا تشمها
شكلها من شخص عزيز عليها ولا مااحتفظت فيها ..
حركت اصبعها على الرسمه بنعومه وهي تحاول تصفي ذهنها بسيرة الورد وطاريه اللي تريح الاعصاب وتخفف التوتر ..
رفعت راسها لنورة وهي داخله بصينية فيها شاهي ومضير ( اقط ) ومكسرات قالت نورة بملل : انتظرتس في الصاله لين مليت ماجيتي قلت مافيه الا اني اجي عندتس في غرفتس .
صبت لها كاسة شاهي ومدته عليها قالت نوف بهدوء : امي وين راحت ..؟
ردت نورة : راحت هي وام حمود يقهوون مهرة بنت ام سالم .
عقدت نوف حواجبها قالت : مهرة ولدت ..؟
: بسم الله علينا موب امي علمتنا قبل يومين وانتي اللي سألتيها عن وش جابت قالت لتس جابت ولد ..!!!
فتحت نوف عيونها قالت : اناااا ..؟
: بسم الله علينا منتيب صاحية ....
قطعت نورة كلامها وهي تشوف وجه نوف متغير قالت بمرح : محد يلومتس لو تنسين لتس اسبوعين ماتجلسين مع احد ولاتكلمين احد .. حتى الاكل اعوذ بالله ماعاد تعرفين شكله ..!
ردت نوف بألم : لاوالله يانورة .. انا لي كم يوم صايرة انسى ومااقدر اركز في شي ..
دمعت عيونها وهي تطالع في نورة وتشد على طرف البطانية بتوتر
قالت : اصلاً ليش ماانسى واتجنن بعد اللي صار لي ... يانورة صورة العله هذا ماتفارقني وصوته وفي اذني للحين .. ياليته ذبحني ومت في يده ..
قالت نورة بوجع : يانوف استغفري ربتس مايجوز تمنين الموت ربي ادرى بعبده .. ثم انتي اللي جبتي هذا كله لنفستس وزين انها انتهت على خير السالفه .. تدرين امي وش قالت لي امس ..؟؟
: وش قالت ..؟
: قالت ان مسفر جانا وقال انه يبي يخطبتس بس ابوي رده قال انه ملك لتس على حمود .
بكت نوف بقهر وقالت بصوت باكي : يعني مافيه حظ غير حمود ولا مسفر .. وتقولين حظنا زين يانورة .. وين الحظ اللي تقولينه .. حمود حظ ..؟ ومسفر عشم يانورة .. ياربي اخذني ياربي اخذني قبل آخذ حمود .
تنهدت نورة بوجع ممزوج بملل ويأس من حال اختها قالت : يانوف اذكري ربي واستغفري .. انتي لو شفتي حمود هذاك اليوم وهو خايف عليتس كان ماقلتي اللي تقولين .. تكفين يانوف فكري بحمود .. تراه صار زوجتس خلاص ..
قاطعتها ببكاء و : لا يانورة انا منيب آخذته .. مااقدر يانورة .. ماابيه اذا تبينه انتي اخذيه .
: وش هالكلام يانوف .. تكفين خليني اشوفتس عاقلة لومرة وحده .. والله ان كلام العنود اركد من كلامتس . امسكي امسكي هذا من مضير امي الجديد ذوقيه طعمه يهبل .
صدت نوف عنها وتمددت في فراشها قالت : ماابي شي بس خليني ارقد .
: وشلون ترقدين وانتي ماقمتي الا الساعه ثلاث .. قومي قومي ولاتبين تخلين العشا عليّ تراني من يوم عطلت وانا اكرف لحالي وانتي منسدحه .
ماردت عليها نوف وتغطت ببطانيتها وحمود وهاجسه مسيطر عليها في هاللحظة ..
وشلون تفتك منه ..
وشلون تهرب ولا تبعد عن الواقع السوداوي اللي يحاصرها ..
من بعد سالفة ملكتها وحمود والتفاؤل مقتول والفرح ماتت تباشيره وعلاماته ..!
قامت نورة واخذت الصينيه وهي تقول : الله يسامحتس بغيت استانس عدنتس وغثيتيني ..


***

انفتح الباب بمفتاح عماد اللي يرحب ويهلي وصوت ضحكه واصلهم قبله ..
: اصبر اصبر لاتفجعهم .. خلني امهد ..هههههههههههههههههه هييييي على هونك ياابن الحلال ..
دخل احمد خطواته تسابق لهفته وشوقه وحنينه ..
رمى نفسه بين يدينها بدون أي انذار مسبق اواعلان ..
متجمده للحظات ..
مو مصدقه او مستوعبه ..
المفاجأة كانت هائلة ..
والصدمه ماكانت على البال ولا الخاطر ..
هي نايمه ...؟
ولا تحلم مثل عادتها بوجهه وزوله وريحته ولمته ..؟؟
ولا انها صاحية وتتخيل ويتهيأ لها
هو صدق وحقيقه اللي تشوفه بعينها وتحسه بقلبها ...
لحظات مابين يمكن ويمكن ..
صوته وضمته ودموعه كانت البرهان انه حقيقه مو خيال ولا وهم او حلم ..
طاح عقاله على الأرض وهو يدفن راسه في صدرها ويلثم يدينها الثنتين وراسها بحرارة وشوق .. ويرجع ليدينها يلثمها ويحطها على خده ..
: ياهلا ومرحبا .. ياربي انك تحيي هالوجه .. يالله لك الحمد اني شفته ..
الغصة بحلقها خنقتها ووقفت باقي الكلام ..
ودموعها انسلت من بين جفونها وكان الحنين اقوى من الصبر ..
الجبل الصامد اهتز امام لحظة لقا تنتظرها من سنين وتحلم فيها كل يوم ..
قالت بصوتها المختلط بالبكاء : ابطيت عليّ ياوليدي .. سنتين يادافع البلا .
مسحت دموعها بطرف طرحتها السودا اللي ماتفارقها حتى بمنامها الا اذا استبدلتها بمثيلتها ..
المفاجأة اكبر من انها تستحملها وأقوى من كل توقعاتها ..
مسح دموعه هو الثاني بقفا يده قال : ماابطيت الا بعذري يالغاليه .. سامحيني وارضي عني .
سحبه عماد من حضن جدته وهو يضحك ويقول : ياخي هذا وانا موصيك لاتصير بزر .. قوم قوم نكدت على الغاليه .
وقف احمد واخذ شماغه اللي طاح والتفت على فوزية
الأخت الصغرى ، والصديقه ، رفيقة الطفولة والعمر .. وفتح لها يدينه ..
كان السلام حار بحرارة الحنين واللهفه والشوق ..
قال عماد : ياخي ترى حرمتي بعد مشتاقة لك عطها وجه .
التفت على شادن المتأثرة بالموقف وابتسمت له وسلمت عليه بخجل وحذر ورسميه ..
قال لعماد وهو يبتسم : يالملعون كل هالزين لك ..
قال عماد بمحاولة منه اضفاء شيء من المرح ..: اذكر الله تراني خابرٍ عينك قوية ..
ضحك احمد وهو يتوجه للمغاسل قال : لا اله الا الله ذكرت الله واخترته .. اوووه ترى ليلى عند الباب نسيتها .
تحركت شادن من مكانها وراحت استقبلتها ودخلتها لمجلس الحريم بعد ماسلمت عليها
قالت شادن بعد ماسلمت عليها .. : هلا والله .. كيف حالك ..؟
رفعت ليلى حواجبها وهي تتأمل شادن قالت : الحمد لله بخير انتي كيفك ؟
ردت شادن وهي تطالع بعبايتها السودا ( الخيمه ) والمطرزة بالتركواز على اطراف اكمامها الضيقه وأسفلها بنقشات كبيرة وواسعه : ماشي الحال الحمد لله .
فتحت ليلى لثمتها ونزلت طرحتها اللي تغطي جبينها وأطرافها مثل العباية بتطريزها التركواز وحبات اللولو المنتثره في زواياها ..
قالت : اوووف .. ياربي على هالبرد والجفاف .. جو الديرة هو هو مايتغير ابد ..!
اخذت شادن عبايتها وطرحتها علقتها وهي مستغربه من اللبس والكلام .. قالت : الحين اشغل التكييف على الحار اذا انتي بردانه ..؟
طالعت فوق قالت : ماشاء الله ومكيفات بعد ..زين ان الديرة بدت تتطور . يااختي مدري كيف قدرتي تعيشين فيها بعد ماتعودتي على حياة المدينة .
ردت شادن بابتسامه وهي تحاول ماتبدأ بنقاش من اولها : الحمد لله مو ناقصني شي ومرتاحه .
رفعت ليلى حواجبها بتعجب قالت : غريبة . انا لو تقطعيني ماقدرت اعيش فيها اكثر من يوم .. حتى حاولت في احمد اني امشي اليوم لاهلي بس مارضى .
اكتفت شادن بابتسامه و : الله يعين .. عن اذنك بجيب القهوة ..
قالت : لا لاتجيبين قهوة ترى مااشربها .
: ماتشربين قهوة ..؟
ردت ليلى : لا لا مااحب القهوة العادية ..!!
: زين اجل بجيب شاهي ونعناع ويانسون ....
قاطعتها : لا لا شكراً لاتتعبين نفسك . انا مااشرب غير كبتشينو ..
تفاجأت شادن بطريقتها وطلبها .. واتسعت ابتسامتها غصب ..
قالت .: ممممم خلاص اسوي لك ولا يهمك ..
: ياليت اذا فيه من الجاهز ..
: جاهز ماعندنا لكن بسوي لك وان شاء الله تعجبك ..
: حتى سوبر ماركت ولا جمعيه مافيه جد جد الله يعينك على الحياة هنا ..!
: ههههههههههههه اش نسوي عاد . . هذا النصيب واذا على الكماليات ماراح نموت من دونها ..
سكتت ليلى وهي تتأمل الديكور اللي يزين سقف المجلس والتعتيق الهادي على الجدران ..
وطلعت شادن متوجهه للمطبخ ..
قابلت فوزية اللي جاية تسلم على ليلى قالت بابتسامه واسعه : اجلسي معاها لحد مااجيب الكبتشينو .
فتحت فوزية عيونها باستغراب قالت : كبتشينو .. خير ان شاء الله ..؟
انسحبت شادن من عندها من دون ماتضيف أي كلمه والثانية كملت طريقها ودخلت على ليلى حتى تسلم عليها ..


دخلت شادن للمطبخ تحضر قهوة عمها وتضيـّْفه بطريقتها ..
حضرت الحلا والمعمول اللي سوته من بدري ..
وزمت شفايفها وهي تتذكر قهوة ليلى اللي ماكانت على البال "هذي وشلون اسوي لها قهوتها .. لو فيه كابتشينو جاهز كان اشوا "
تذكرت هبالها هي وسارة اذا اشتهوا كابتشينو وكانت مخلصة ولا مافيه احد يجيب لهم من برا .. قالت " بسويها بطريقتي انا وسارة التقليديه والله يعين ويساعد ان عجبتها كان بها ماعجبتها عنها ماشربت قهوة اليوم "
حطت حليب وموية باردة وسكر في الخلاط الكهربائي لحد ماطلعت له رغوة وصبته في ثلاثه اكواب ..
جهزت النسكافيه والسكر والموية الحارة وحطتها هي كمان في الخلاط وشغلته لحد ماشافت الرغوة ..
صبتها في الاكواب على الحليب ورشت عليها بودرة شكولاتة نسكويك العادية ..
قررت تاخذ قهوة عمها توديها قبل ماتودي قهوة ليلى ...
بس دخل عماد عليها قال : هاتيها عنك .. ! التفت على الكبتشينو
قال : هذي لمن ..؟
: لزوجة عمي ماتشرب قهوة عاديه ..
ضحك عماد باستهزاء قال : هههههههههههههه اجل ماتعجبها قهوتنا ... وريني بذوق ..
شرب منها رشفه قال : هاتي هذا لي عز الله انه ازين من اللي اشتريه من برا ..
حطه في الصينية قال باستهبال : حتى انا مااشرب قهوتكم ..
فتحت فمها وضحكت وهو شال الصينية وتوجه للباب ورجع التفت عليها قال : ترى اخلاقها شينة وماتشوف الناس ناس بس تحمليها عشان احمد .. ابتسم وكمل : واذا طلبت كبتشينو سوي لها على طول ..
طلع بصينية القهوة والضحكة على محياه .. وهي تضحك بصوت مسموع من كلامه او فرحه باسلوبه المرح معاها لأول مرة ..!
احلى شي في وجود احمد انه غيّر موده وقلبه رأساً على عقب من اول مادخل ..
ويمكن يشغل جدتها عن الملاحظات اللي ماكفت عنها من العصر ..!
اخذت صينية القهوة ودخلت بها على فوزية وليلى والابتسامه على محياها ..
سمعت فوزية تقول باستغراب : ياحبي لك ياليلى اللي يسمع كلامك يقول انك مو من الديرة ولا قد عشتي فيها ..
ردت ليلى وهي تعدل كم بلوزتها الصوف قالت : ياقلبي كنت من الديرة ونقلنا من سنين وماعاد يربطني فيها شي غير زيارتكم .
قالت فوزية : هذا كلامك وانتي ماطلعتي منها الا بعد مااخذتي احمد .. اجل وشلون لو عشتي طول عمرك في مدينة مثل شادن .
رفعت نظرها لشادن قالت : من جد ياشادن ماادري كيف عايشة هنا ولا كيف تتحملين تجلسين بدون كهربا وتلفون .
ابتسمت شادن وقربت الصينية منها وحطت كوبها على الطاولة القزاز اللي قاعدتها خشب على هيئة جذع شجرة .. قالت : بالعكس انا احب الديرة لأني احب اهلها والكهربا موجوده حتى لو نص يوم .. والتلفون ان شاء الله بيجي بعد فترة قصيرة ..
قالت فوزية : ياربي لك الحمد ان شادن عاقلة .. جد ياليلى انتي مررررة سخيفه .. يابنت وش اللي غيرك ماكنتي كذا .. بعدين العباية اللي دخلتي فيها وشلون تمشين فيها .
ضحكت ليلى قالت : هذي آخر موديل نزل .. شادن وش عبايتك ..
قالت فوزية : عباية راس وواسعه وسادة مثل عبايتي .
طالعت شادن في فوزية اللي ماخذه راحتها مع ليلى وتكلمها بجلافه وبدون رسمية قالت : عمتي ترى ليلى ضيفتنا .
اشرت ليلى بيدها وهي تقول : خليها خليها متعودة على اسلوبها .. يقولون انها كانت صديقتي واحنا صغار .
ضحكت فوزية قالت : يقولون وكانت يالنذلة .
دق جرس قسم الحريم ووقفت شادن وهي تسمع عماد يناديها بصوت عالي ..
طلعت وهو يضحك مع احمد قال : روحي افتحي الباب وترى هذا كلامي اللي البارح لك .
عقدت حواجبها وهي تبتسم وتتذكر وش مفاجأته لها غير عمها احمد واهله ..
قال وهو مقابل لجدته واحمد ومتكي على التكاية : ان شفت لك دمعه وحده لاتلومين الا نفسك .
هزت راسها ومشت للباب .. قال احمد : والله البنت مأثرة عليك باللهجة ياخوفي لاتجيني بكرة تقول كمان واشبك وياوااد ..؟
انفجر عماد بالضحك على غير عادته قال : ابشرك اني شوي واقولها .. اجلس مع شادن يومين بس وهذا وجهي ماتكلمت مثلها .
قالت ام ناصر بدقه لعماد : شادن مامنها الله يستر عليها ليت الحريم مثلها بالصبر والستر على اللي فيها .
قال احمد : افاااااا الكلام دق ياابو مشعل اعترف وش مزعلٍ امي فيه .
التفت عماد على شهقة شادن وترحيبها وصوتها يتهدج ..
قال : عز الله مااعدى حرمتي بالدموع الا انت ..
لكزه احمد وهو يوقف قال : قوم خلنا ندخل عن الحرمة بتدخل .
وقف عماد معه قال : عاد عمتي الله يستر عليها فيها حيا عمري ماشفته في الحريم .
تنهد احمد وهو يقول : الله يرحمك ياخالد ويجعل قبرك روضة من رياض الجنه . امش امش الحرمة دخلت وشكلها تبي امي .
وقف احمد بعيد عن ام نايف وسلم عليها من بعيد وردت عليه بصوت واطي وخجول ..
قال : كيف الحال ياام نايف عساكم بخير .
: بخير الله يعافيك ... اش اخباركم انتم ..؟
: بخير الله يسلمك . .
عدى احمد للمجلس مكتفي بالسلام والسؤال ودخل للمجلس ..
جا عماد وسلم على عمته اللي تقريباً اعتادت عليه .. قال لشادن : ها وش رايك ..؟
ابتسمت شادن بامتنان قالت وهي تلف يدها على اكتاف امها المتكتفه بعبايتها الساترة : تسلم عماد .. عن جد احلى مفاجأة ..
قال : نايف وين مادخل ..؟
ردت ام نايف : الا الظاهر دخل من قسم الرجال .
توجه عماد لقسم الرجال وكملت ام نايف مشيها للصالة عند ام ناصر ..
بعد السلام والتراحيب اللي استقبلتها فيها ام ناصر ساعدت شادن جدتها على الوقوف ودخلتها للمجلس معاهم ..!
وقفت ليلى وسلمت على ام ناصر ورجعت سلمت على ام نايف وهي تطالع فيها بحرج ..
قربت فوزية وهمست لها : شوفي ستر الحرمة وتعلمي .
لكزتها ليلى بكوعها وقالت بنفس الهمس : اقول اسكتي مو وقتك الحين .
اخذت شادن عباية امها وغطاها وعلقتها والسعاده باينه عليها في كلامها وتصرفاتها وحركاتها ..




***



بعد ماوصل الديرة ..
دخل اخذ له شور سريع يعيد له نشاطه اللي نفد من التعب خلال الأربع ساعات الماضيه وهو جاي ..
وقف فهد على المرايه يمشط شعره اللي بدا يطول ..!
حاول يدسه خلف رقبته ولا يبين مع الشماغ حتى مايسمع كلمتين معتبره من ابوه وعمه فواز بسبب طول الشعر ..
اخذ فروته ولبسها وحس بالدفء يتسلل لجسده في صقيع الديرة وبردها القارس ..
مر طيف صورتها في ذهنه .. وحس بشي يسري في دمه ..
من امس ومن بعد ماشافها ماقدر يتخلص من شكلها وصورتها سواء في الحادث ولا في بيت اهلها ..
ليه اذا تذكرها حس ان بينه وبينها رابط قوي ..
تشبهه بشي ..!!
يمكن الحزن والوجع ذاته ومرارة الفقد عاشوها الاثنين ..
ويمكن لأن الاثنين فقدوا وهم يطالعون وما قدروا يسوون شي ..!
التفت وراه لبندر اخوه وهو يدخل ويقول : ترى عماد جا وابوي على جمر يبي يشوفه ويسأله عن سوالفه في بيت لافي .
قال فهد وهو يعدل شماغه : الله يكفيني شر هالشياب لاينغصون عليّ ويغصبوني على شيٍ ماابيه ...
: وين بتروح انت ..؟
: بجلس مع ابوي وعمي ثم اروح لاهل سعود الله يرحمه .
رفع بندر حاجبه باستغراب قال : وانا اقول سيارتك مليانه اغراض ومانزلتها اثرك تبي تروح لهم ... طيب ارتاح لك شوي انت توك واصل .
اخذ فهد مفاتيحه ومحفظته قال بوجع وهو يغمض عيونه بقوة ويصك اسنانه : الله يساعدني على شوفة اخته الصغيرة ..!
قرب بندر منه قال بلهجة حانية : اذا روحتك لهم تبي تنكد عليك خلني اروح بدالك .
رد فهد بصوت حاول انه يكون عادي لكن لكنة الألم مااختفت وكانت فيه واضحه وجلية : لا لا انا اللي لازم اروح لهم .. معك خمسمية ريال ..
فتح بندر محفظته ومدها عليه بدون مايسأل واخذها فهد وهو يقول : اردها لك بكرة ان شاء الله .
دخلت منال عليهم بسرعه وقطعت كلامهم بحماس قالت : عيال تخيلوا من اللي جا عند جدتي .
قال بندر : من عندها ..؟
قالت منال بحماس : عمي احمد .. ياربي ماني مصدقه اني بشوفه .
رد فهد بضحكة : هالحين من يفكنا من حنان ان درت انه جا .
قالت منال وهي تضحك : هههههههههه لو شفتوها ..! اول ماسمعت خالد وانطلقت تبدل ملابسها تبي تروح معه .
: ابوي درى عنه ..؟
: ايه وراح مع عمي فواز ..
قال بندر : خلنا نروح نسلم على عمي ثم روح لمشوارك .
: زين يالله امش معي وعلم خالد يجيب امي والبنات على سيارتك .
اخذ بندر شماغه وعقاله وطلع مع فهد المشغول بلقاءه باهل سعود ..
رغم انه اعتاد الا انه في كل مرة يستصعب الامر وكأنه اول مرة يقابلهم م ن بعد وفاة سعود ..
وقف على صوت امه اللي استوقفته عند الباب : فهد يمه اصبر ابيك لاتروح .
وقف فهد ورجع لها قال لبندر : اسبقني على السيارة وانا جاي وراك .
التفت على امه قال : سمي يمه بغيتي شي ..؟
وصلته امه وقربت منه قالت : يقولون عماد من البارح وهو فيه .. لاتنسى تسأله عن سالفة الخطبة اللي ماعطانا عنها علمن اكيد . الله يهديه مشى صبحية كلامه لنا ولا شفناه ولا سمعنا منه شي ..!
هز فهد راسه قال : تلقين ابوي اخذ منه العلوم كلها .. لكن ابشري مالتس الا من يسأله ويرد لتس .
طلع فهد من عندها وهو عارف ان الخطبة اللي قال عماد عنها وهمية وانه ماخطب ولا نوى يخطب له من دون علم اهله وشورهم .


***



البرد من بعد المغرب في أوجه ..!
دخلت ام نوف بعد مارجعت من عند غنمها وهي تدور الدفا داخل البيت ..
قالت العنود اللي تمشي معاها لها ساعه وتحن عليها تبيها تروح تتعشى عند جيرانهم : تكفين يايمه ابي اروح العب مع شهد وابي اشوف مرة احمد وابلا شادن .. تكفين يايمه طلبتس .
ردت امها بتعب وكلل : حنا وين نسري في هالبرد .
: يايمه بيتهم مهوب بعيد .. شوفيه قريب واخذي فروة ابوي وليا دخلنا نزليها عند الباب واذا رجعنا اخذيها والبسيها .
: الله يقطع شرتس من بنت سويتي سواة نوف فيني ماتحيدين عن الشي لين تاخذينه غصب .. هاروحي لنورة خليها تسوي شعرتس وتدور لتس على ثوبٍ زين تلبسينه ..
مرت من عند نوف وهي متمدده في فراشها وملتحفه ببطانيتها وعيونها ثابته في مكان واحد وعقلها بعيد عن المكان موديها لعالمها البعيد والمستحيل ..
قالت امها بحنان وخوف وشفقه : يمه نوف .. اليوم وشلونتس ؟ .
ماتحرك منها ساكن ..!
وكررت الأم الملهوفة على بنتها وصحتها : نوف .. نوف .
تحركت بهدوء وقالت بذات الهدوء : سمي يمه وش قلتي ماسمعتس .
: يابنيتي اللي تسوينه بعمرتس مايجوز .. قومي كلي لتس لقمة وسولفي معنا وونسي عمرتس .
نزلت من عينها دمعه قالت بألم : يمه انا ماابي حمود .. حمود مايناسبني وابوي غصبني عليه .
تنهدت امها بوجع لأن هذي الجملة الوحيدة اللي تكررها وتقولها كل ماحاولوا يفتحون معها أي سالفه اونقاش ..
قالت بيأس وقلة حيلة : ماعاد بيدينا شي يانوف .. اول شايلين همتس يوم نقول مااعرست وهالحين مانبي نشيل همتس ونقول مطلقه .. حمود اخير لتس من مقعدتس في بيت ابوتس بلا رجال ولا عيال ..
صدت بوجهها عن امها وزفرت بآهه أليمة وعادت لصمتها وسكونها وأفكارها وعالمها ..!
راحت امها لنورة اللي طلعت للعنود فستان طويل من الصوف وعليه جاكيت بكم طويل الوانه بين الأسود والاورنج ..
قالت نورة : يمه اللي عزمتس من ..؟
: ابوتس يقول خالد ولد ناصر عزمه ويقول خل اهلك يجون .
: يعني اكيد العشا عند عماد مهوب عند ناصر .
: ايه عند عماد ..!
دخلت امها غرفتها بتلبس وتروح للعشاء ارضاءً للعنود وتلبية لدعوة جيرانهم .



***

دخلت بسرعه وفي يدها كيس مليان العاب وعرايس ودباديب ..
قالت فوزية : خلاص جمعتيها ..؟
ردت شهد وهي تدور في الصاله : ايوه جمعتها بس رجعت الباربي وعباية فلة .
عقدت فوزية حواجبها قالت : وليه رجعتيها مو زعلانه وماتبين منه شي ..؟
قالت ببراءة : بس انا ابغى الباربي وابغى العباية حاجاته هذي ماابغاها خلاص .
ضحكت فوزية قالت : حريم .
سألتها ليلى بغرور : وش فيها بنتك كذا ماتشوف الناس شي حتى سلام مافكرت تسلم .
قالت فوزية لشهد : بنت ..! شهد ..! تعالي سلمي على خاله ام نايف وعمة ليلى .
شهقت شهد وهي تطالع في ام نايف قالت بحرج وخدودها محمرة : انتي زوجة خالي خالد اللي مات .. وام شادن زوجة عماد .
ضحكت ام نايف وهي تفتح لها يدينها قالت : ايوه .. تعالي ياقلبي سلمي ..
سلمت عليها وجلست في حضنها قالت فوزية : باقي عمة ليلى قومي سلمي عليها .
وقفت شهد وسلمت على ليلى بسرعه ورجعت لحضن ام نايف والثانية حاضنتها وتدلعها وتسمي عليها ..!
دخلت شادن وشافت الكيس اللي نزلته شهد قالت : لمين هذا ..؟
ردت شهد : هذي حاجات عماد رجعتها له لأني خلاص زاعلته .
قالت شادن وهي تفتش الكيس : اوف اوف اوف شهد تزعل من عماد .. لا لا لا مااصدق ....
قطعت كلامها وهي تحس قلبها تحرك من اليسار لليمين لمن شاف الصورة اللي تتوسط الألعاب والهدايا ..!
طالعت بامها وعمتها وليلى وهم ملتهين مع بعض ويسولفون
وسحبت الصورة منه بهدوء ودخلتها تحت بلوزتها وتنفست بعمق ورجعت الكيس في المجلس بمكانه ..!
وطلعت برا ..!
سمعت صوت عماد ينادي وفي يده صينية القهوة والشاهي قال : شادن خذي بالله جدديها ..
اخذتها منه قالت بابتسامه : انتبه ترى فيه ناس زعلانه منك .
لحقها للمطبخ وهو يعدل غترته البيضا ويثبت عقاله عليها قال : من اللي زعلان لايكون مرة احمد راعية الكبتشينو .
قالت شادن بضحكة وهي تطالع وراه : لا لا شوفها واقفه وراك ..
التفت على شهد وهي حاطة يدها اليمين على خصرها والثانية ماسكة بها الكيس ورافعه حواجبها معقودة وتشمق فيه بعيونها ..!
قال : افا افا افا .. شهودة تزعل مني ... هذا الكلام اللي مايصييييييير ابد .. تعالي سلمي عليّ .
ردت عليه بزعل : لأ ماني مسلمة خلاااااااص تزاعلنا ..
ضحك عماد وهو يثني ركبه ويجلس لمستواها قال : وش اللي مزعل حضرة شهد بنت عبدالعزيز ..
مدت عليه الكيس قالت : كل حاجاتك اللي جبتها لي خلاااااص ماعاد ابغى عشاني زعلانه .
فتح عماد الكيس وضحك قال : يالظالمة آخذة الهدايا الجديدة ومرجعة القديم واللي مليتي منه ..!
كانت شادن تضحك وشهد ترد الضحكه وترسم على وجهها علامات الزعل قال عماد : طيب وش اللي مزعلك مني .
: عشان انت ماتحب شادن وعشان نوف العله دايم تقزك وعشااان ماتنام مع شادن ...
حط يده على فمها وهو يسبحها ويدخلها للمطبخ ويشيلها على الطاولة قال بجديه : وش الكلام هذا ..؟
قالت شهد : العنود علمتني انك زعلان من شادن ..
طالعت شادن فيهم باستغراب قالت شهد : وعشان ماتحب شادن وهي احلى بنت في الديرة ..
التفت لشادن قال : العلوم هذي منين جابتها ..؟
هزت شادن اكتافها قالت باستغراب : ماادري عنها اول مرة اسمعه منها .
قال : وانتي تسمعين كلام العنود وتصدقينه .
: ايه هي اصلاً تقول خلي عماد يخطب نوف مثل ابو سليم عنده اربع حريم وعيال كثيريييين .
: وهي اللي قالت عماد ماينام مع شادن .
: لأ انا شفتك تنام في غرفتك وكل يوم تقول لشادن رتبي غرفتي تعبان ابي انام .
زم شفايفه قال : طيب وش اللي يرضيك عليّ الحين .
: اول شي تصالح شادن وتحبها كثيييير زي بابا وماما .. بعدين تنام عندها عشان هي مسكينة يتيمة ماعندها ابو وتنام لوحدها .
ضحك عماد قال : وبس هذي خالصين منها .. غيره .
: طيب ليش انت ماتحب شادن .
كانت شادن تطالع في شهد باستغراب وشرود وحضور وتشتت ..!
التفت لشادن وشافها واقفه تنتظر حسم الحوار بنتيجه قال : وش دراك اني مااحبها ..؟
: طيب احلف انك تحبها .
تحركت شادن من مكانها قالت : شهد عيب تتكلمين كذا تبغين تسوين زي البنات قليلات الأدب ...
سكتها عماد وهو يسحبها ويسلم على خدها قال : ها شفتي اني احبها .
تنفست شهد بعمق وهي تبتسم بانتصار قالت : خلاص الحين صالحتك .. صرت احبك ..
فتح لها يدينه وحضنها وهو يقول : عاد ان زعلت شهد من اللي بيرضى عليّ .. وجه نظراته لشادن الغاطسة في خجلها وبقعه حمراء اعتلت وجهها ورقبتها قال : القهوة ياشادن لاتتأخرين علينا بها .. شال شهد وكمل : الكلام هذا ان قلتيه لاحد ماعاد فيه شي اسمه هدايا والعاب .
قالت ببراءة : طيب بعدين اذا صار عندك ولد اسمه مشعل تجيب له العاب زيي ولا لا ..؟
نزلها قال : روحي روحي لامك خلاص انتي الحين كبيرة لاعاد اشوفك عند الرجال .
ردت : اصلاً انا بجلس عند خالتي ام نايف هي تحبني كثير .
: انتي من اللي مايحبك ..؟
شهقت وهي تشوف العنود قالت : عماد روح روح يمكن العنود جابت الجني حق نوف معاها بعدين يدخل فيك .
صد عماد عن الحرمه اللي دخلت ودخل للمجلس وهو يقهقه ويستغفر ويتحسب الله على ابليس شهد ..


***


جالسين حول السفرة وهي معاهم ومو معاهم ..
عيونها تقرحت من كثر البكا بعد ماكلمت اهل اميرة وقالت لها امها ان عيالها مايكفون اسئلة عنها ..
قال مشاري وهو يطالع في يدها ورجلها وهي مقيدتها : اقول سارة .
بلعت لقمتها قالت بهدوء وصوت مبحوح : هلا .
: فيه جبيرة ناعمه ورقيقه اش رايك نسويها لك بدال هذا اللي الجبس وزنه اثقل من وزنك .
طالعت في يدها الثقيلة قالت : ياليت والله اقدر افك هذا .. قرفني بالحر والعرق ومرة مضايقني .
شرب ابوها كاسة اللبن قال : خلاص اليوم مشاري يوديك تغيرينه ويحطون لك واحد اخف من هذا .
قالت امها باهتمام : اخاف نرجع من البداية ويضيع عمل الجبس هذا ..
رد مشاري بثقه : لا لا انا سألت عنه ماراح يضرها شي .. المهم ياسارة البسي بعد شوي بوديك لاتتأخرين عليّ مواعد لي رجال بطلع انا وياه لأبحر .
سحب ابوه الكرسي ووقف وهو يقول : الحمد لله .. مو فهد اللي بتطلع معاه .. ؟
قال مشاري : لا مو فهد .. فهد طلع لديرتهم اليوم .
: ليت في الرجال منه عشرة ..
سألت سارة بعفوية : فهد مين ..؟
رد مشاري : ولد عم شادن .. هذا اللي وداك المستشفى يوم الحادث .
شهقت بصوت خافت وحطت يدها على فمها ..
قالت : هذا ولد عم شادن ..؟
: ايوه ولد عمها .. ماقلت لك انا ..؟
: لا ماقلت .. حطت يدها على جبينها ومسدته قالت بصوت خجول : فشله.
وقف مشاري وساعدها على الوقوف وهو يقول : لا فشلة ولا شي .. لاتفكرين بالموقف وانسيه نهائي ..
زمت شفايفها وهي ترجع بذاكرتها للحادث وتحاول تنحيّ المصاب وتتخيل كيف كان شكلها بس ماقدرت تتذكر الا صورة الموت في الجثث والدم والسيارة ..
جاتها امها ومسكتها بدال مشاري ومشتها لحد ماوصلت الكنب قالت لامها بهمس : يمه مرة متفشلة .. ياليت اللي ساعدني مايعرف عنا شي ..
ردت امها باتزان : بسم الله علينا ياسارة .. ويعني شافك ..! كان بيدك هو .. ولاكنتي في حال شي ..! اسمعي كلام مشاري ولاتفكرين بالموقف كله .. ولاتصيرين حساسة كذا .
وصل عندها ابوها وجلس بجنبها وهو ينشف يدينه بمناديل قال : ترى هو اللي اسعفك وتبرع لك بدمه ولولا الله ثم هو ماندري وش صار لك . والمسألة انسانية محد فكر باللي تفكرين فيه .. لف يده على اكتافها وكمل بلهجة دلال : يعني بلاخجل وبلا حيا ويافشلتي ويافضحي .. ميل جسمها عليه وهو يقول : كل الناس تدري ان بنتي متربية احسن تربيه واولهم فهد اللي شالك واسعفك ..
ابتسمت لابوها اللي يحاول جاهد انه يغير مودها كل ماشاف ملامح الحزن على وجهها ويرسم الابتسامة لو مجرد طيف ..!


***

في مجلس عماد اللي برا ..
جالسين حول النار ..
احمد وعماد وبندر بجاكيتات وخالد ولد ناصر لابس فروته وناصر في صدر المجلس بالبشت الاشقر المصنوع من الصوف ..!
قال ناصر : تدرون فهد ونايف رجعوا من عند اهل المرحوم ولا لا .؟
رد بندر : لا ماالظاهر انهم رجعوا ..
تكلم فواز مقاطع : الله يعينك يافهد .. كل مايروح لهم يرجع وهو شايل الحزن من جديد .
قال احمد : والله يوم سمعت ا لخبر اني شايل هم فهد اكثر من هم اهله .. الله يرحمك ياسعود ويغمد روحك الجنه .
حل الصمت فجأة مع صوت فهد اللي وصلهم وهو يدخل مع البوابه ويغني بعالي صوته وبلحن حزين وكأنه ينفث حزنه بطريقة معبرة ..

ليت المنايا وقفت عنك ياسعود ......... خلّتك لين أوريتني في ضريحي

أنت الصديق الصادق الود ياسعود ......... وانت الطبيب لقلبي اللي جريحي

انا أشهد أني عقب فرقاك مقرود ......... ماأنلام انا لو كان اصفّق واصيحي

والله لصيحك لين أجاورك ياسعود ......... الله يعجّل جنب قبرك مطيحي

الدمع غار وجفّت العين ياسعود ......... والقلب ينحب والجوارح تصيحي

دخل فهد بصحبة نايف اللي اصر انه يروح ويشوف اهل سعود ويتعرف عليهم ورجع والحزن يملا قلبه لموقف ام سعود من فهد اذا شافته ..
سلم وتوجه لآخر المجلس بعيد عنهم وتمدد على ظهره على الكنب ورفع رجله على التكاية ..
غطى وجهه بشماغه قال : لاتنادوني على عشاكم واذا نمت لحد يكلمني .
اشر بندر لنايف وش صار ..؟ ورد نايف بإشارة بعدين اقول لك ..
قال عماد لنايف : ابوخالد .. ادخل ياخي شوف اختك كل شوي وهي تقول نادوه لي .
وقف نايف قال : كنت بجيها قبل شوي قالوا لي فيه حريم .
وقف عماد مع نايف قال : خلني اناديها لك في المجلس اللي داخل ..
دخل عماد مع نايف لمجلس الرجال بداخل البيت ونادى بصوت عالي : ياولـــد .. ياشهد .. ياشااادن ..
وصلته شادن وهي تضحك والعنود تمشي وراها وتقول ابلا يعني خلاص اقول لامي انتس بتجينا ...
قطعت كلامها وهي تشوف عماد وتربط صورته بكلامه لها بعد ماشقق الرسالة وتراجعت قال : تعالي تعالي ..
رجعت له بحيا قال : وش اسمك انتي ..؟
دخلت العنود اصبعها في فمها وقعدت تعض عليه باحراج وخجل قالت شادن : هذي العنود الشاطرة .
قال عماد وهو يبتسم من حركتها : وش تبي منك ..؟
: تبغاني ازورهم ..!
: اهااااا .. تعالي تعالي نايف هنا .
دخلت شادن وسلمت على نايف بلهفه قالت : دب فينك ليا ساعتين ادور عليك .
قال نايف : والله جيت قالوا ان فيه حريم وانتي فوق .. وطلعت مع فهد ودوبني راجع ..
التفت للعنود وهي تطالع فيهم وكأنها شايفه حدث مهم وتسجله بالحرف والحركة ..!
ودارى وجهه عن العنود ورى شادن قال : اش هذا المخلوق اللي وراك .
ضحكت شادن قالت بهمس : حرام عليك اسكت هذي بنت الجيران .
قال عماد وعلى وجهه ابتسامه واسعه : تعالي يالعنود ..
قربت العنود منهم بحذر وخوف وخجل قال : من احسن مدرسة عندكم بالمدرسة .
ردت على طول وبدون تفكير : ابلا شادن .. اصلاً انا احبها وكل البنات يحبونها حتى صالحة بنت محمد جار خالك ناصر تحبها وتموت فيها .
لف عماد يده ورى شادن قال : ماشاء الله طلعتوا تحبون مرتي وانا ماادري ..
ردت العنود بسرعه وهي تهز راسها : ايه نحبها .
دنقت شادن براسها محرجه وخجلانه قال نايف اللي انتبه لحرج اخته وحب يلطف الجو : والله وطلع لك معجبين ياشدون خابر محد يرفع من معنوياتك الا سارة ..
رفعت راسها لنايف ووجهها تكتسحه حمرة خجل من طوق يد عماد عليها وتحس بحرارته تشع في جسدها ..
قال نايف : لااااااااااا طلع العرق ياابومشعل . اذا انت حريص على عمرك امسك الباب وانا وراك .
قال عماد بعفوية : وش عرْقه . .؟
: هذا عرق اللي في جبينها اذا طلع معناتها الأخت عصبت .. واذا عصبت انفد بجلدك .
ضحك عماد بهدوء والتفت لجبين شادن يدور العرق .. لكن قربه منها احرف نظره ناحية عيونها ونسى نفسه لثواني وهو يتأملها ..
في عيونها جاذبية لحظها من اول لمحة شاف فيها شادن ..!
تيار بحر جارف اقتنع فيها ليلة زواجهم الباكية ..!
سحر تأثيره بالغ وقوي المفعول ادركه وعرفه مع الأيام والوقت ..
انتبه انه قد غاص وغرق وانتهى امره وماعاد فيه امل يرسو على بر ..!
نسى العرق اللي يقوله نايف واكتفى بعيونها ..!
قال بصوت بارد : نايف عيون شادن تشبه عيونك ..؟ .. هز راسه وكأنه مو مقتنع بكلامه وكمل : فيه شوية شبه صح ..
رفع نايف حاجبه بابتسامه قال بغرور مصطنع : لابسم الله عليّ . . انا كلي ازين منها حتى اسألها يوم كنت اجيبها من الجامعه كيف البنات يلاحقوني ويحاولون يرقموني ويعاكسوني .
فتحت شادن فمها وضحكت قالت : كلها مرة وحده جبتني من الجامعه وازعجتني فيها .
طالعها عماد بجدية قال : اجل من كان يوديك ويجيبك .
قالت : مع سارة .
: وسارة من يوديها ..؟
: السواق حقهم ..
: اها ..! اشوا اشوا .. حسبتك تروحين مع مشاري ولا ابوه .
يعني غيرة ..!
ولا الحالة اليوم وفرحته باحمد مخربطته ومايدري وش يقول ..!
صدت عنه بصعوبه وهي تطالع في العنود وحمرة الخجل والاحراج تكتسح بشرتها وتبث الحرارة في اوصالها ..!
قالت بصوت خجول : عنود حبيبتي روحي العبي مع شهد ..
ردت العنود : طيب بس تكفين ابلا لاتعلمين نوف اني عزمتس عشان ماترسبني ..!
حاول نايف يكتم ضحكته بس ماقدر وانفجر ضاحك .. ورفع يده لهم يعني مع السلامه وطلع مع الباب وسط ذهول العنود منه وهي تجهل السبب ..!
حاول عماد يتماسك حتى مايحرج البنت وطالع بشادن وهي تبتسم وتهز راسها للعنود قالت : لاحبيبتي ماراح اقول لها ونوف ماتقدر ترسبك لأنك ممتازة .
: الا هي تقول ان عزمتيها ولا كلمتيها بقول لمدرساتس يرسبونتس .
صد عماد وهو يضحك مايبغى يحرج العنود ويدينه على اكتاف شادن المنحرجه وبنفس الوقت تتماسك لاتضحك من كلام العنود قالت : ياعمري المدرسات عندهم امانه محد يرسب البنت الممتازة واذا رسبوها يفصلونها من التدريس ويطردونها وربي يعاقبها .. فهمتي ؟
ضحكت العنود وهزت راسها قالت : ايه .
قال عماد وهو يطلع من جيبه عشرين ريال : خذي هذي عشانتس تحبين شادن .. اشتري شكولاته وشيبس مو تروحين تشترين آيسكريم فاهمه .
هزت راسها وهي تاخذ العشرين وتروح تجري لامها بفرح يشبه براءتها ..!
مسك عماد يد شادن ودلّك اطراف اناملها وأظافرها بنعومة وهو ي قول بهدوء : ترى بكرة بنروح لمزرعتنا الكبيرة في الطايف ونجلس هناك اسبوع عشان احمد .
قالت بصوت واطي وخجول : في الطايف ..؟
: على حدود الطايف .. ترك يدها وعدل شماغه قال : رتبي لي شنطتي قبل تنامين وحطي لي ملابس دافيه ترى البرد هناك يكسر العظم .
: حاضر .. زمت شفايفها قالت : اكثر من البرد هذا .
اعطاها ظهره وهو يقول : ايه اقوى .. بس تدفي زين .. وعلمي فوزية تراها بتروح معنا هي وزوجها .

: عماد .
التفت عليها قال : سمي ..!
: الجوال يشتغل في المزرعه .. آخذ جوالي معاي .
: ايه شغال .. من بتكلمين .
جات تمشي عنده وهي مركزة نظرها على وجهه قالت : ام وحده من صاحباتي كان عندها الخبيث في صدرها اكثر من سبع سنوات ..
اصغى لها باهتمام وهي تكمل : تخيل كذا مرة أجلت العملية والحين الحمد لله تعافت بدون عملية ماعاد عندها شي .
فتح عيونه قال : والله ؟.
: ايوه دوبها امي قالت لي .. عاد انا بكلم صاحبتي اتحمد لها على سلامة امها .
رد عليها : وشلون تعافت بدون عملية ..؟
عيونها على وجهه وهو يسألها باهتمام قالت بمحاولة انها تشد من ازره وتخليه يتفاءل : موية زمزم وعلاج طبيعي ورقية شرعيه .
: بسسس ..؟
: هذا كلام امي عن بنتها .
: ماشاء الله تبارك الله ..
طلع جواله الثريا من جيبه قال : خذي كلميها الحين لو تبين .
ابتسمت قالت : لا خلاص اذا بكرة فيه جوال ادق عليها منه اصلاً هي استحالة ترد على رقم غريب وانا الحين مشغولة .
: زين ... يالله انا طالع للمجلس ترى العشا على وصول جهزوا السفرة ..
طلع وهي تتبع آثاره وبقلبها يارب اول الخطوة بديتها بقوتك .. ساعدني على الباقي ولاتخذله ولاتخذلني ..



***


في مجلس الحريم ..
دخلت عليهم العنود تجري وجلست بجنب امها وهمست في اذنها : يمه يمه شوفي عماد عطاني عشرين ريال .
طالعت امها فيها بنظرة تهديد : وشو .. الله يفضح عدوتس فضحتينا في الرجال .
ردت العنود بصوت عالي : يايمه هو عطاني اياها .. انا ماقلت له ..
وصل حوارهم لام ناصر وام نايف وام نوف تقول : اجل ليش يعطيتس فلوس .
: دخلتها العنود في صدر امها وهي تقول : عماد يقول عشانتس تحبين شادن خذي الفلوس هذي واشتري بها شكولاته وشيبس .
هزت ام نوف راسها قالت : الله يجزاه خير ويرزقه .
استمعت ام ناصر للحوار بدقه ..
ماتدري تصدق كلام شهد ولاتصدق تصرفات شادن مع عماد وعدم اكتراثها وشكواها وكلامه للعنود ..!
محتاره وشكوكها ماريحتها ابد .. لكن الا مايبين المستور وتعرف المخفي ان الله اشاء واراد ..!
وفي زاوية المجلس ..
ليلى وفوزية ومنال وحنان منزويات في الزاوية ويسولفون بحماس ..
اخذت ليلى جوالها المزين باكسسوارات كثيرة .. وهي تسب الديرة والحياة في الديرة قالت : مدري وش اللي مفرحك فيها يافوزية .. ياربيييي جوالي ماله داعي هنا ..
خطفته حنان من يدها وهي تقول : ياااااااااقلبي ياهالصورة وراعيييييييها والله يوم شفته لولا حياي من ابوي كان اضمه على صدري .. بس استحيت من ابوي وسلمت عليه عادي ..
قالت فوزية : تراه من اول ماجا وهو يسأل عنك يقول بنتي وش اخبارها .
حطت حنان يدها على قلبها قالت : بنته واخته وامه وابوه واهله كلهم الله يخليه لي ويخليني له .
التفتت ليلى عليها وضربتها على راسها قالت : هييييي بنت انتي ترى هذا اللي تتكلمين عليه زوجي .
ردت منال بعد ماحطت في فمها قطعه الحلا اللي قدامها : وانتي ترى اللي تقولين عنه زوجتس ماجبتي سيرته بالطيب من اليوم غير .. وقلدتها .. احمد قاهرني ، يرفع ضغطي ، تفكيره سخيف ، افكاره رجعيه ومتخلفه ، مايحب التطور ، كابتني ، يكره شي اسم حرية ...
قاطعتها فوزية : بنت منال وش هالكلام .. ولو ليلى ضيفتنا عطوها لبكرة ولا بعد بكرة ثم استلموها على كيفكم ..
رمقتها ليلى بنظره قالت : لاوالله .. الحين يعني سويتي خير .
سندت فوزية بظهرها على التكاية قالت : الله يقطع ابليسك ياليلى عليك ثقل دم عمري ماشفته في احد . بس احلى شي فيك قلبك الطيب .
ردت ليلى بتأفف : وانا وش مضيعني الا طيبة قلبي .. المهم زوجة عماد وين راحت .. ياربي من برودها يرفع الضغط .. من يوم جيت وهي توزع ابتسامات وتشتغل . . ماتتعب هي ..؟
قالت منال باندفاع : لا عاد حدتس ياليلى تراني ساكته لي ساعه وانتي ماخليتي احد الا واعطيتيه نصيبه حتى امي وجدتي واخواني ماقصرتي عليهم .. بس شادن ترى مااسمح لتس .
شهقت حنان وهي تفتش جوال ليلى وردت عليها ليلى بشهقه مماثله وهي تقول : قليلة ادب من سمح لك تفتشين ...؟
رمته حنان عليها قالت : خسارة انتس زوجة عمي احمد ..!
تبادلوا منال وفوزية النظرات مو فاهمات شي .. قالت فوزية : وش فيه ..؟
سكتت ليلى وهي تقفل جوالها وتمتمت : انا الغلطانه اللي فتحته وخليته في يدها .


***

بعد مارجعت من المستشفى ..!
نزلت عكازها بجنبها وجلست بين امها ومشاري بخفة وهي تتأمل يدها ..!
قال مشاري : لو كنت ادري انك بتمشين بالعكاز بسهولة كان سويناه لك من زمان .
ردت وهي شبه مرتاحه : اوووه الحمد لله احسني خفيفه .. مو زي اول .
قالت امها : ياربي لك الحمد ... خلاص من اليوم ورايح مافيه ساعدوني وشيلوني .
ضحكت سارة وهي تمد يدها على مشاري قالت : ممكن توقع راح توقيعك الاول .
طلع مشاري قلمه من جيبه وكتب : الحمد لله على السلامه ياسو...
سحبت يهدها بخفه وهي تقول : وجع وجع وجع ... الشرهه مو عليك عليّ انا اللي اعطيك يدي توقع عليها .
قهقه مشاري باستهبال قال : خلاص خلاص هاتي كنت ابغى اكتب ياسوسو بس انتي ماخذة فكرة شينه عني .
صرت عينها قالت بشك : سوسو ولا سويرة ها ..
: ههههههههههههههههههههههههههه لاوالله كنت ناوي اكتب سوسو .. مو شادن تقولك سوسو .
تحولت ابتسامتها على طاري شادن لتكشيرة .. وتنهدت وقالت : ياعمري ياشادن .. مشتهية اجلس معاها واعرف اخبارها .
قالت امها : مصيرها تجي ان شاء الله وتتقابلون وتجلسون مع بعض اكثر . يالله قوموا للعشا .
قالت لامها ومشاري : اسمعوا .. تراني بكرة بروح لدار الايتام .. وابغى انزل السوق اشتري هدايا وألعاب للأيتام .
حاول مشاري يعترض بس قاطعته امه وهي تقول : الله يعينك على فعل الخير .. خلاص تراني خويتك في المشوار .
هزت سارة راسها لامها بامتنان لموافقتها قالت : الله يكتب اللي فيه الخير ..!



***


فتحت عيونها بكسل على صوته وهو جالس بجنبها على السرير ويناديها ..
: شاادن .. يالله اصحي الساعه سبعه ماصليتي ولالبستي وكل الناس سبقتنا وراحت وانتي نايمه .. شادن قومي وش هالنوم اليوم .
قالت بكسل وصوت نايم : طيب دقايق واصحى .. اذا بتروح روح وانا اجي مع امي ونايف .
رجعت ودست نفسها في اللحاف وشدته عليها وراحت في نوم عميق ..
ابتسم على شكلها قال : قومي يابنت الحلال مابقى غيري انا وياك ... شادن .. هزها ونادها من جديد : شادن اصحي ولا تراني صبيت على راسك كاس المويه هذا .
قامت جلست ورجعت شعرها ورى قالت : تعبانه والله مافيني اصحى الحين .
رد عماد بصوت حاني وهو يتأمل عيونها المغمضة وشعرها الفوضوي بنعومه وبيجامتها البيضا الأنيقه ..
البارحه اشتغلت شغل عشر حريم لوحدها ..
مااشتكت ولا تذمرت ولانامت الا بعد ماناموا كلهم وبعد مارتبت شنطته وشنطة جدتها ..
مد يده ورجع خصلة نازلة على جبينها بدلع لورى اذنها وفتحت عيونها بكسل قال : ارجعي نامي متى ماشبعتي نوم نمشي .
ماصدقت كلامه ورجعت رمت نفسها على السرير وهي تقول : بس عشر دقايق واصحى .
سحب المخدة الثانية اللي المفترض انها تكون له وتكى عليها وهي يطالعها ..!
وانتبه للورقه البيضا مكان المخده ..
يعرف وش هالورقه من شكلها بس يجهل تخص من ..!
سحبها وقلبها يشوف لمن هالصورة ..
صورته ..؟؟
رجعها بسرعه وهو يجزم ان فوزية اعطتها الصورة هذي لأنها هي اللي صورته ..!
حط يدينه على وجهه ورجع يطالع فيها وهي تغط بنومها ..!
يحبها وتحبه ..!
واثق من حبها له ..!
عيونها وكلامها وتصرفاتها كلها تثبت حبها له ..!
تمدد بجنبها بدون شعور ولا احساس وغمض عيونه وهو يحاول مايقرب منها حتى مايزعج نومها ..!
لف يده على عيونه وسرح مابين الخيال والواقع .. ولحظات حالمه ولحظات مريرة وبائسة .. غفت عينه بجنب شادن لأول مرة بدون أي مقاومه وبمنتهى الاستسلام ..!


***


وصل احمد وامه وزوجته والشغاله للمزرعه الكبيرة وامه تذكر الله وتهلل وتبارك ..
اشجارها كبرت وحيواناتها كثرت .!
قالت وهي تشوف النياق في آخرها : احمد ياوليدي ودنا عند عطايا الرحمن خلني اشوفها ..!
لف احمد بسيارته للركن المخصص للنياق حقت ام ناصر وعيالها وعماد من ضمنهم
.. قال : ماشاء الله تبارك الله .. كثرانه مهب على خبري .
ردت ام ناصر ووجهها يتهلل اعجاب وفرح ووناسة : ايه زادها عماد فوق خمسين قبل سنه .
تكلمت ليلى بقرف : اوف اوف من الريحه .. ودوني للبيت بعدين ارجعوا تفرجوا على كيفكم .
رد احمد بقلة صبر : ليلى بتسكتين ولا لا ..
قالت ام ناصر بمودة : ودها ياوليدي للبيت خلها ترتاح وانا نزلني عند النياق .
رد احمد بحزم : لا ارجعها ولا شي حالها حالنا تنزل وتتفرج ولاتقعد في السيارة تنتظرنا .. طالع في المرايه قال : هذا ناصر واهله وصلوا ..
قالت ليلى : احمد وشلون انزل وناصر وعياله بيجون هنا ..؟
تنهد احمد بتعب قال : الله يعين عليتس .. خليني انزلتس وارجع بامي .
لف ورجع للبيت وشاف فهد يفتح باب البيت ويدخل الاغراض والشنط وبندر وخالد يساعدونه والبنات واقفات وراه ..
قال احمد بصوت عالي : خلوا حنان تنزل معي ..
رد فهد عليه : خلها تدخل نايف بيجي الحين ويتمشى في المزرعه مانبيها تحرجه ولايشوفها .
التفت احمد على ليلى قال : انزلي وادخلي مع الباب اللي ورى الحين ارسل حنان تفتح لك .
نزلت ليلى من المقعد الخلفي وهي تتأفف ..
صاحية من صلاة الفجر والبارحه مانامت زي الناس من تغيير المكان والبرد ..!
وياليت بعد كل هالمعاناة تجني وناسة ولا راحة ..
نزل احمد وطالع عيونها الباينه وحواجبها الخفيفه ولثمتها الفتنة .. فقرب منها وسحب طرحتها لحد ماغطت وجهها كله قال : اعتقد انتس اقتنعتي ان فيه احد غيرتس مايلبس هالفستان واللثمة .. شوفي لبس فوزية وشادن وتعلمي .
سكت ماردت عليه لأنها في قرارة نفسها اقتنعت بأن لبسها منبوذ بينهم ..!
دخل احمد من باب الرجال وشاف حنان ومنال قال : حنونة روحي افتحي الباب الصغير لليلى .
طالعت حنان في منال قالت بهمس : منال روحي افتحي لها مالي خلق اتصبح بوجهها .
همست منال : عاد انا لي خلق ..؟
: تكفين روحي عني اخاف اخاف اشخبط على وجهها بأظافري .
قال فهد وهو ياخذ سكينة حادة من المطبخ : هييييييي وحده منكم تروح تنظف قسم الرجال والثانية تفتح لحرمة عمي وتجي تنظف المطبخ عن الغبار .
ردت منال بسرعه : انا ماشية لقسم الرجال .. رفعت حواجبها وجركتها بإغاضة لحنان وكملت : وانتي ياحنونه روحي افتحي الباب وارجعي نظفي المطبخ .. باااااي .
ضربت حنان برجلها على الأرض قالت بقلة حيلة تقلدها : بااااااي .. خافي ربك هذي مو كلمة مسلمين .
هز احمد راسه وهو يقول : هذولا موب عاجباتني لكن شغلكم شوي عندي ..
رجع لامه في السيارة وراحوا يلفون المزرعه ..!


***



فتحت عيونها على الساعه 10 .. ومدت يدها اليمين على الكمدينو اخذت الساعه الصغيرة وشافتها وقامت جلست على طول ..
نايم بجنبها بثوبه وجاكيته الجلد الأسود الطويل .. وشراباته ..
ولاف الشال الصوف الممزوجه الوانه بين الاسود والرمادي على جبينه ومصدر صوت شخير خفيف لأن راسه مايل على طرف المخدة ووضعه مايساعده انه يتنفس بارتياح ..!
شعورين لخبطتها وماقدرت تتبع احد فيهم بسرعه ..!
الخجل كونه اول مرة ينام بجنبها ..
وشعور الخوف اللي سيطر عليها خشية انه يكون تعبان ويحس بشي ..!
نادته بهمس بعد تردد : عماد .. عمااااد .
وما رد عليها الا شخيره المنتظم ..
لمست يده بطرف اصبعها قالت : عماد ..
فتح عيونه بصعوبه قالت : عماد فيك شي ..؟ تحس بشي ..؟
مسك يدها بعد مااستوعب مكانه وواقعه وسحبها على صدره ..
استرخت بهواده ودقات قلبها تزيد وتعلا وتتخربط وتتسابق ..
قال بهمس : كم الساعه يالنوامه ..؟
ابتسمت وقالت بذات الهمس : 10 ونص .
ورجعت للسؤال اللي اقلقها : عماد تحس بشي ..؟
غمض عيونه وهنا جزم انها ياكاشفته ياشاكه فيه ..
قال باعلان للاستسلام في لحظة شبه حرجة : اليوم مافيني الا العافية ..
تنهد من العمق وكمل : تبينا نمشي ولا جازت لك النومه .
رفعت نفسها عن صدره قالت : لا خلنا نمشي ..! من متى وانت نايم هنا ...؟
جلس على السرير ومس ظهره ويدينه وهو يتثاوب قال : الساعه سبعه حاولت اصحيك لقيتك تبين النوم وحطيت راسي بجنبك .
ابتسمت له بخجل قالت : مانمت الا بعد ماصليت الفجر .. بس خلاص انزل وانا ببدل ملابسي والحقك .
رجع وتمدد على السرير قال : بنتظرك هنا بس عجلي ..!
اخذت ملابسها ودخلت الحمام بدلت في وقت قياسي وطلعت ..
بنطلون جينز كحلي وبلوزة بيضا بكم طويل وعليها بلوفر قطني لنص الفخذ بحزام وزراير من الأمام ..!
جمعت شعرها بشباصه والتفتت عليه وهو يناديها : شادن .. انتبهي لايشوفونك خوالي بالبنطلون ..
هزت راسها قالت : ماخذه حذري ماعليك .. اخذت عبايتها في يدها قالت : يالله ننزل ..؟
: عطيني الشنطة ..
: ترى رتبت لك شنطتك .. شفتها ..؟
رد عليها وهو خارج : ايه شفتها الله يجزاك خير .. يالله الحقيني .


***



ماكانت تتخيل ان الصخب والازعاج ارتياح نفسي ويبث الهدوء للنفس ويطمنها ..
كل انسان بداخله مشاعر واحاسيس وطاقات هائلة من الحنان
احياناً يستغلها ويصبها في المكان المناسب
واحياناً يشذ بها لطريق خاطيء
واحياناً يكبتها وتموت بداخله ويدفنها
وغيره يحتاج منها لو لمسة حانية
كلمة رقيقه
عبارة تخفف من وطأة الحزن والألم والفقد
..
كانت سارة جالسة مع امها في دار الأيتام
المكان اللي ياما وياما ارتادته فاطمه وعلمتها طريقه
وحكت لها عن الاحساس فيه والشعور بقرب البراءة ..!
اليوم بس حست باحساس فاطمه ..
كانت دموعها تنزل مدراراً وهي تحاول تداريها عن الصغار اللي ينطون لها بين كل دمعه ودمعه : سارة رجلك تعورك .. يدك تعورك .. تبكين عشان يدك ورجلك مكسورة ..
وكان ردها عليهم : لا ماابكي بس عيوني تعبانه عشاني مانمت بدري وقعدت اتفرج على التلفزيون ..
ضحكت فاطمة _ الطفلة المسماة على زميلتها صاحبة الأيادي البيضاء على الدار _ وحطت يدها على فمها قالت بذكاء وسرعة بديهه : سارة سارة يعني انتي تشوفين توم وجيري زيي انا وسمر ..
ردت والعبرة تخنقها : ايوه اشوفها واشوف عدنان ولينا ..
نط احمد ابن السابعه يتماً قال : تشوفين ابطال النينجا ..؟
هزت راسها بأيوه و : ايوه اشوفها واحبها بس اذا عندي واجب ولا حفظ اطفي التلفزيون واذاكر عشان اصير ممتازة ..
قالت ام مشاري وهي تطالع في ساعتها والوقت بدا يداهمها رغم انهم قضوا ثلاث ساعات ماحسوا فيها : يالله اسكتوا عشان سارة توزع عليكم الهدايا ..
تحول الصخب في ثواني لهدوء وسكون وكل طفل مكتف يدينه حول صدره ويحاول يلفت نظرها بهدوءه وأدبه حتى ينال اولى الهدايا ..
وزعت الهدايا كلها ورجع الصخب اكثر والازعاج لج بالمكان وبث الفرح فيه ونشوة السعادة بنيل اغلى مايتمناه الطفل ويحبه ..!
طالعت سارة في زهرة الطفلة الغير شرعيه ..
لقيطة وجدت بجوار برميل زباله ( والجميع بكرامه )
عمرها فوق السبع سنوات لكن لغتها ركيكة لأسباب نفسية بحته ..
قالت سارة بألم : زهرة حبيبتي ليه مو فرحانه زي اصحابك .
وقفت زهرة وكيس هديتها في يدها قالت بتأتأة : د د دزاكِ الله ك ك كيل ( جزاكِ الله خير ) .. انا ابقى ماما فاطمة تزيب لي هدية عسان هي تحبني . ( انا ابغى ماما فاطمه تجيب لي هدية .... )
حضنتها سارة بقوة وربتت على كتفها قالت والدموع فاضت وأغرقت صدرها : ياعمري هذي ارسلتها عليك ماما فاطمة ..
رفعت نفسها من عليها وطالعتها بنظرات جامده قالت : ك ك ك كليها ت ت تزيبها هيَّ . ( خليها تجيبها هي )
: هي الحين تعبانه شوية ماتقدر تيجي عندكم بس قالت ياسارة خذي هذي الهدية اديها زهرة وخليها تلعب فيها وتفرح وتنبسط مع اصحابها .
وقف عبدالله طفل الثمان سنوات وحده ويتم قال بلهجة حجازية بحته : انا كمان ماابغى هدي الهدية .. انا ماآخد هدايا من احد الا من ماما فاطمه .
ابتسمت له سارة من بين دموعها قالت : عبدالله حبيبي هذي من ماما فاطمه هي قالت لي انك تحب تصيد السمك واشترت لك السنارة والسمكات وكمان الكورة . وشووووف مسدس الموية اللي انت تطلبه كل مرة ..
نزلت دموعه وحط يده على عيونه قال : بس انا ابغاها تيجي بنفسها .. هيَّا وعدتني ماتتأخر علي ودحين ليها سنه ماجات .. ابغى اقولها حاجة مهمه .
انسحب بسرعه من المكان وراح يجري ودخل الغرفه وقفل بقوة ..
والكورة والسمكات وسنارتها ومسدس الموية والواح الشكولاته كلها على الأرض ..
وكأنه يقول ماما فاطمه اهم من هذا كله ..
غيابها شهرين كأنه سنه عنه ..!
ماقدرت سارة تلحقه ..
هي اضعف من هالمواقف
مابقى عندها مساحة لاضافة حزن جديد ..
ممتلئة بالحزن والوجع حد الطفح والفيضان ..!
قالت زهرة بملامح جامده وخالية من اي تعابير وهي تتأمل وجه سارة الباكي : اااانتي ت ت تبكين عس عس عسااان ( عشاان ) تبغي ماما فاطمه تدمك ( تضمك ) وتزيب ( تجيب ) لك دانينو وعصير منجا .
انتفضت سارة وحاولت تتكلم ببقايا قوة انتهكها الحزن اليوم على ارض الدار : لا ياعمري ماابكي .. بس اذا انتي تحبين ماما فاطمة خذي الهدية والعبي فيها زي فاطمة وسلوى ورهف .. شوفي .. !
خرجت العروسة المصنوعه من القطن والقماش وكملت : مرررة حلوة تشبهك .. خذي نيميها في حضنك .. غني لها دوها يادوها .
تأملتها زهرة ببرود ومدت يدها واخذتها قالت : ك ك كلي ماما تيزي بسرررررعه قو قو قو قولي زهرة تبغاك زي عبدالله .
هزت سارة راسها ورجعت لامها اللي تمسح دموعها وهي تسمع الحوارات الصغيرة بأصواتها وعقليات اصحابها وكبيرة بمعانيها وإنسانيتها ..
نفسها ترتمي في حضن امها حتى تلمها من الشتات والحزن والألم والذكريات بس تراجعت خشية انها تؤلم الأطفال وهم يفتقدون للحضن والأم وهم يطالعونها ..
قالت لامها : يمه يالله خلينا نمشي .
قالت امها : ادعي لصاحبتك يمكن هالوقت ساعة استجابة ..
وجهت سارة بيدينها للسماء وابتهلت للي يراقبهم باللي في قلبها
لفاطمه وزميلاتها ونفسها ..!


***

في السيارة ..
قال عماد لشادن اللي تحس بالبرد يتغلغل لعظمها ..
: ليه ماجبتي لك شي ثقيل ..؟
: ماكنت عارفه ان البرد عندكم كذا ..!
: ايه متعوده على جو جده في عز الشتا حر ..
: يازين جو جده هالأيام .. طالعت في جوالها قالت : اوووه الحمد لله الشبكه فُل ..
: بتكلمين خويتك ..؟
: لابخليها اذا وصلنا بس نفسي ادق على سارة آخذ اخبارها ..
قال عماد : اشووووا انك ذكرتيني .. وش رايك في سارة ..؟
التفتت عليه وسحبت غطا عيونها لورا قالت : من أي ناحية ..؟
: زوجة لشخص يهمك ..؟
قالت بابتسامه : اذا قصدك على نايف تراها اكبر منه ونايف يعتبرها اخته وهي كمان تعتبره اخوها .
: لا لا مو نايف ..
عقدت حواجبها قالت : غير نايف ويهمني .. لايكون بتزوجها احد من عماني ..؟
ابتسم قال بمحاولة لاستفزازها : لا بتزوجها انا .. ابو مشاري رجال وينشري واخوها والنعم وامها يقولون فيها خير وراعية دين .
تدري انه يمزح ويحاول يستفزها ..!
قالت ببرود : بس سارة ماراح توافق عليك ..!
اتستعت ابتسامته قال : افاااا ليه ماتوافق ولا عشان انتي صديقتها ماتبي تاخذ زوجك .
: لا مو عشان كذا ..! بس هي تدري اني ماراح اتنازل عن حقوقي لأي مخلوق في الدنيا حتى لو لها هي اعز الناس .
انطفت الابتسامه بالتدريج من ملامحه قال بجديه : الموضوع اللي تقصدينه لازم نتكلم فيه بجديه بس مو الحين ..
طالعت في الطريق بجنبها قالت : لا الحين ولا بعدين ياعماد .. اذا اشتكيت لك ساعتها يحق لك تكلمني فيه .. انا راضيه بعيشتي كذا الا اذا انت ....
قاطعها : اتركينا من هالموضوع الحين .. قولي لي بنت ابو مشاري تصلح نخطبها لفهد ولد خالي ناصر .
فتحت عيونها مو مصدقه قالت : لااااا عماد عن جد تتكلم . ..؟
: والله اكلمك جد .. خالي من امس وهو كل شوي يسألني من اللي خطبتها لفهد وانا اقول بعدين اعلمك ... والصراحة ابو مشاري ونعم الرجال .. وبنته اذا هي صديقتك اكيد انها تناسبه .. التفت عليها وكمل : ولا وش رايك ..؟
: سارة مافيه منها .. بس اخاف ماتوافق .. خاصة ان لها تجربة قبل ..
: البركة فيك انتي .. اقنعيها ..!
: لا ياعماد .. انا مااعرف فهد ومااقدر اقنع سارة في احد مااعرفه ومن باب انه قريبي . خاصة ان سارة نفسيتها تعبانه بعد الحادث ووفاة زميلاتها وطلاقها ..
: فهد انا اضمنه لك .. رجال وينحط على اليمنى ... سكت شوي وكمل : تصدقين محد يناسب فهد غيرها ويمكن هي مايناسبها غير فهد .. ظروفهم متشابهه ويمكن يعينون بعض على الحزن ..
وصل عماد المزرعه المسورة بسور عالي وفتح له العامل السوداني وهو يرحب فيه .. ودخل بسيارته ..
شهقت شادن من منظر المزرعه وشكلها ..
الشتا قاسي على اشجارها الكبيرة رغم انها لازالت تحتفظ بلونها الأخضر ورونقها الا انها ذابله من البرودة القارسة في منطقة جبلية ومرتفعه عن سطح البحر كالطايف ..!
قالت شادن وهي تطالع في زاوية المزرعه بعيد عن الأشجار وفي اتجاه النياق الكثيرة : يممممممه تخوف ..
طالعها عماد وهو يبتسم : العصر اطلعي انتي والبنات وتفرجوا عليها كلها بس لاتبعدون تراها كبيرة فوق 2 كيلو .
قالت وهي تناظر المكان وتتفحصه : مرة متحمسه اتمشى فيها ...
قال عماد : ادخلي من هنا .. وانا برجع للعيال ...
مسكها بيدها قال : سالفة خطبة فهد لاتقولينها لاحد لين اكلم فهد وخالي .
: حاضر ..
نزلت وتوجهت للباب اللي أشر عليه عماد ودخلت البيت الكبير اللي يتوسط المزرعه ..!


***


في البيت الشعبي المهتريء ..!
نورة وامها وابوها والعنود في الصالة قدام الدفاية اللي تشتعل بالغاز ..!
قالت نورة وهي تقرب يدينها من شعلة الدفاية : يبه الله يرضى عليك اصبروا عليها اقل شي لين تتقبل الموضوع .
رد ابوها وهو يشرب فنجال القهوة دفعه وحده : مهيب متقبلته لين تروح لبيت رجلها وتعرفه زين .
كانت العنود مشغولة بكاسة الحليب اللي اضافت لها سكر وشربتها كلها وتحاول توصل بقايا السكر اللزجة في قاع البيالة لفمها بتروي وانتظار ..
قالت نورة : العنود وش هالحركات .. قومي هاتي لتس ملعقه وطلعي السكر جبتي لي المرض بحركتس هذي ..!
رد ابوها : خفي على اختس يانورة تراها صغيرة وجاهلة وانا ابوتس .
قالت العنود والكاسة على فمها : نورة اشوا من بنتك المجنونة اليوم بغت تذبحني يوم قلت ان عماد عطاني عشرين ريال .
قال ابوها : عنود وانا ابوتس نوف ماتبيتس تاخذين فلوس من احد ليا بغيتي فلوس روحي لها وهي تعطيتس .
ردت العنود : مهب قصدها يايبه .. هي عشانها تحسب عماد يبي يخطب...
صرخت نورة بصوت عالي تسكتها : عنود وترااااااااب .. اتركي البياله وطسي اغسلي وجهتس وارمي في الزباله على طريقتس .
قالت امها بحده : بنت انا ماقلت اخفضي صوتس لايسمعتس احد برا .. فضحتوني بخلق ربي كل من مر من عند بيتنا الا ويسمع اصواتكم ..!
ردت نورة والشرر يتطاير من عيونها خوف ان العنود تفضح اختها قدام ابوها ثم يهون مسفر معه ..
: يبه ترى العنود ماتحترم نوف وقليلة ادب ... ونوف هالايام ماتستحمل شي .
قال ابوها وهو يعدل جلسته ويلتفت على العنود : والله ان سمعت انتس ماتحترمين خواتس اني لاوديتس مسفر .
طيرت العنود عيونها وهبدت على صدرها بيدها قالت : والله ثم والله لاحترمهن بس لاتوديني مسفر المجنون .
: ها اعقلي واسمعي كلام خواتس .
هزت راسها ونورة تتنفس الصعداء بارتياح لأنها انقذت الموقف في آخر لحظة من لسان العنود ..



......................... تكملة الجزء السادس ...................


0 التعليقات:

إرسال تعليق